بالمقارنة بالعقود الثلاث الماضية….فلم يعرف السودانيون شيئا من تفاؤل كهذا الذي ألِفوه بعد ثورة التاسع عشر من ديسمبر من العام ٢٠١٨ …والتي تُوجت بزوال نظام الإنقاذ البائد الذي جثم على صدر الشعب السوداني لثلاث عقود عجاف…أكلت الأخضر واليابس في بلد الخضرة والجمال..كانت فرحة التحرر الكبرى في ١١ إبريل من العام الحالي (٢٠١٩) ..عندما تولى الجيش السلطة…ثم تواصل المجلس العسكري برئاسة عبد الفتاح البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير ليتفقا على قيام فترة إنتقالية لثلاث سنوات وثلاث أشهر…تَكَوَّن فيها مجلس سيادة ومجلس وزراء وسيتكون مجلس تشريعي في حينه المرجأ له…عبر وثيقتي ألإتفاق ( الإعلان السياسي والإعلان الدستوري )
..لكن…السؤال المهم : ماهي أبرز التحديات التي تواجه السودان في الفترة الإنتقالية الحالية ؟؟؟
..هنالك تحديات كبيرة وعديدة تواجه السودان في الفترة الإنتقالية ومابعدها…وهي التحديات التي ينتظر كل الشعب من الحكومة القيام بها أو إزالة المُشكِل منها …من ألمع تحديات الفترة الإنتقالية ، ملف السلام..ووقف الحرب في مناطق الحروب..وعودة اللاجئين لمناطقهم وملف الإقتصاد وأبرز مافيه معاش الناس والغلاء و الديون الخارجية وإستقرار أسعار الصرف..وملف الدبلوماسية السودان الخارجية..وملف التنمية والتعليم وملف مكافحة الفساد وملف الديموقراطية وكيفية بناء دولة المؤسسات والقانون …
*ومن لمحة مختصرة :
..أحد أكبر وأهم أسباب قيام الثورة السودانية هو الوضع الإقتصادي وكان خروج السودانيين في ديسمبر لها أسباب عدة تراكمت عبر سنوات حكم الإنقاذ وهي عديدة : منها الغلاء الطاحن في أسعار السلع والخدمات ، واْنعدام السيولة ، في مخالفة صريحة لقوانين الإيداع المصرفية الشيء الذي صنع فقدان الثقة بين جمهور العملاء والبنوك في ظل تكديس للعملات الحرة في البيوت والمخازن ، وندرة السلع واْنعدام الخدمات الضرورية أو عدم استقرارها ..الشئ الذي جعل الشارع السوداني في أهبة الإستعداد للخروج رفضاً للظلم وطلباً للعدالة (حرية سلام وعدالة) محفزات الخروج هذه تقع ضمن التدهور المريع للإقتصاد السوداني الذي كان يشهد تدحرجاً بمعدلات متسارعة كل يوم نحو القاع عبر التضخم والغلاء والندرة المصطنعة عبر الإحتكار…
الوضع الإقتصادي ومايلحق به هو أهم تحدٍ تواجهه الحكومة الإنتقالية فأمامها ملفات شائكة تحتاج لمجهود جبار وإرادة كبيرة وخبرات متراكمة حتى تجد الحلول الناجعة …
.. التحدي المهم جداً حول ملف السلام في السودان.وإيقاف الحرب في كل أرجاء السودان : وعصب هذا هو ثلاث عوامل مهمة : أ/ الوطنية السودانية الخالصة…ب/ والإرادة والحرص على تعافي الوطن ..ج/ الحوار الجاد بناءً على جعل الثقة بساطاً يتشاركه المتحاورون …سيما وأن الظرف الآن ملائم لصناعة السلام ليتكفل السودانيون بعد ذلك ببناء دولتهم العادلة…وقد أبدى قادة الحركات المسلحة رغبتهم في التعاون مع حمدوك وحكومته للتشارك في البناء عبر السلام وظهر هذا جلياً من تفاوض إعلان المبادئ والحولة الأولى في مفاوضات جوبا…وهذا فألاً حسناً مبشراً ، بينما تكوين محلس السلام الذي يتشارك عضويته أعضاء مجلس السيادة ورئيس الوزراء وبعض وزراء الحكومة هو بارقة أمل كبيرة ليقترب السودان من تحقيق سلام شامل يكون نقطة انطلاق لحلحلة المشاكل كما أن تحقيق السلام مرتبط به مصير المليشيات المتعددة التي هي خارج منظومة القوات النظامية…وبها يتكون جيش عملاق إذا ماتم التوصل لسلام يعالج كل المشاكل الجهوية والقبلية والمناطقية ومشاكل التهميش الموروثة من النظام البائد….
..مؤسسات الحكومة الإنتقالية يتشاركها قسمان من صانعي التغيير في السودان..وهما : ضباط الجيش المشاركين في مجلس السيادة و من معهم من المدنيين ..ومجلس الوزراء المدني ذا الكفاءات…فمن المهم أن تجري عملية الحكم بينهم في جو من التجانس بين هذه المكونات للعملية السياسية في السودان…وهنا تبرز مسألة الثقة والتجانس بين المكونات هذه خاصة بين العسكر والمدنيين…فإن أي تصادم أو عدم ثقة يكون وباله خسرانا على السودان وشعبه…
.. من أهم التحديات كيفية إدارة ملف الفساد..في المحاكمة العادلة لمن ثبتت عليه التهم الموجهة له…وكيفية حماية البلد من المفسدين في المال والقتل والنهب العام واستغلال المنصب والسلطة في سرقة المال العام وهنا تبرز مسائل حروب دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وهذه الجزئية مهمة جداً بحيث تظهر من خلالها جدية المحاكمات وبها يتيقن الشعب أن حكومة الفترة الإنتقالية هي حكومة جادة في محاسبة المجرمين عبر الدليل والقانون وليس عبر التشفي والإنتقام…والتشفي والإنتقام هو تحدٍ آخر….فلو حصل من مكونات الحكومة الإنتقالية أي مظهر للتشفي والإنتقام فأن ذلك سيكون سبباً لطرد المصالحة العامة المطلوبة لينهض السودان ويتقدم…
.. من التحديات : الدبلوماسية الخارجية للسودان :نطمح أن يكون عنوان هذه الفترة..هو الإنفتاح الخارجي والتواصل مع المحيط الإقليمي والدولي على أساس المصلحة العامة للسودان ومبدأ السيادة الوطنية…ومن أهمها عودة العلاقات السودانية الأمريكية حتى ينال السودان ثقة المحيط الدولي وبالتالي رفع اْسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب (بحسب المصطلح السياسي ) ومن ثم فك الحصار الإقتصادي المفروض على السودان من قبل الولايات المتحدة…وبذلك يجد السودان مساعدات مطلوبة تدخل أرضه وتنفتح عليه الإستثمارات الأجنبية مما ينعكس إيجاباً على الإقتصاد والتنمية عبر جذب الإستثمارات الأجنبية وسهولة التحويلات المالية ودخول الصناعات والشركات العالمية والدعم الدولي والمنظمات الدولية…. ومن ثم يجد السودان حضوره الدولي العالمي..
..الخطاب الداخلي : هي مشكلة ورثناها من حكم الديكتاتورية ، فهذا تحدٍ كبير يجب تداركه وتوحيد الخطاب عبر مؤسسات منوطة بذلك ومخاطبة الشعب بمايليق بعظمته وسيادته وإباءه وليس بالإساءات لمكونات المجتمع والبعد كل البعد عن الخطاب الديني غير المنضبط ومن غير ذويه والإساءة للقوميات والأقليات وإثارة النعرات الجهوية والعصبية والعنصرية البغيضة عبر الأكاذيب والتلفيقات والمن والأذى…
.. هنالك تحدٍ ولو أنه يُرجأ لزمن مناسب لكنه حتمي جداً وهو مسألة حماية الحدود وسد الثغرات والحد من تجارة البشر والدخول غير الشرعي للأجانب وضبط عمليات الهجرة لداخل السودان ومنه للخارج العالمي…
والتحدي الأهم هو القيام بجهود قانونية وإعلامية ضخمة في سبيل إرجاع الأراضي السودانية المغتصبة كحلايب وشلاتين والفشقة …دون الدخول في حروب منهكة…
.. من التحديات : كيفية الوصول للهدف الأولي للثورة وحمايتها..عبر بناء النظام الديموقراطي ..وبالتالي بناء دولة مؤسسات ترتهن للقانون والدستور وليس للولاء الحزبي أو للشخصيات…وتفعيل مبدأ القانون والرقابة القانونية ..
لذلك فإن الهدف كبير و هو بناء النظام الديموقراطي…وهو مهمة كبيرة لقادة الفترة الإنتقالية بكل مكوناتها….
..المهم جداً أن كل ذلك يتوجب أن ينهض على الخطط السليمة والدراسات العلمية الصحيحة والنقاشات والتحاورات والنقد الموضوعي البناء بهدف المصلحة العليا للبلد…
…بالعموم هنالك تحديات كبيرة تواجه الحكومة الإنتقالية.. وقد وصل الشعب الآن لحالة تململ أخرى من بطئ تحقيق أهدافه البسيطة التي ينتظر الحكومةَ أن تقوم بها ليخرج السودان من وهدته ويسير بخطى ثابتة نحو التقدم ويستعيد دوره الريادي إقليميا ودولياً…
…والله الموفق…