اغلبية الاطفال فب بلادنا يعانون من سوء التغذية ، و تموت الأمهات في الولادة ، و الشيوخ و كبار السن و مرضى الأمراض المزمنة لا يجدون الرعاية الصحية المناسبة ، و الوصول في الوقت المناسب الى دور الرعاية الصحية لاسعاف حالة طارئة صعب جدا ، و ذلك اما لوعورة الطريق ( خاصة في فصل الخريف ) او لبعد المسافة بين محل اقامة المريض و المستشفى ، هذا غير الوضع الصحي المزري بصورة عامة و خاصة في مجال صحة البيئة و النظافة و محاربة الأوبئة .
بصورة عامة يمكن تقدير الفعل الحقيقي لنظام المخلوع البشير في تعزيز صحة المواطن في السودان بالسالب ، فالدولة لم يكن لها برنامج صحي فعال الا برنامج تحصين الأطفال و هو برنامج كما نعلم جميعا مدعوم عالميا من المنظمات بما فيها منظمة الصحة العالمية ، اذ لا يتعدى دور الإنقاذ سوى الجباية من المرضى في المستشفيات التي كانت موجودة قبل نظام الإنقاذ و حتى التي أنشئت في عهد الإنقاذ انشيء اكثر من 90% منها بواسطة الجهد الشعبي . طيلة وجود الانقاذ لم يتعد الصرف من الميزانية العامة على الصحة 2% و حتى هذه النسبة كان نصفها يهدر فسادا بايد انصار النظام السابق و يضيع قبل ان يستفيد منه المواطن . و هذا ما يؤكد حقيقة ان اكثر قطاع مهني تصدى لحكومة الإنقاذ كان قطاع الأطباء ، ففي الوقت الذي استطاعت الإنقاذ تدجين قطاع مثل المعلمين الا انها فشلت تماما في تدجين قطاع الأطباء و ظل خميرة عكننة لها و نفذ أطباء السودان احتجاجات و إضرابات متتالية عبر السنين وصل اخرها مرحلة ان يكون أطول سلسلة اضراب لاطباء في تاريخ إضرابات الأطباء في العالم ، و كل ذلك كان لان الواقع الصحي اسوا من ان يحتمله الكادر الصحي او ان يعمل فيه ابتداءا من البيئة الطبية داخل المستشفيات و المراكز الصحية و انتهاءا بالتدريب و المرتبات .
الإنقاذ لم تكن تهمها صحة الانسان السوداني و هكذا هي طبيعة الحكم الدكتاتوري لا يريد شعب بصحة جيدة ، فالصحة تعني القدرة على التفكير التسليم و كل تفكير سليم كان سيقود بلا شك الى رفض الإنقاذ و الثورة عليها، لذلك جعلت الإنقاذ شعب السودان يغرق في مرضه و فقره و جهله منعا للثورة ، و لكنه رغم كل ذلك ثار و اقتلعهم . و حان الان أوان ان ترد الثورة الجميل لشعب السودان صحة موفورة و عافية . و هذا يتطلب جهدا متعاظما من وزارات الصحة الاتحادية و الولائية .
تحدي النجاح في مجال الصحة يعتمد على عاملين ، توفر الخدمة الصحية و قربها من المواطن . توفر الخدمة الصحية يعني وجود مستويات متعددة للخدمة الصحية تبدا من الرعاية الأولية ثم الثانوية و الثالثوية ، و يمكن شرح أهمية هذا المستويات ببساطة بان 90% من الحالات التي تصل الى الرعاية الصحية الأولية ( المراكز الصحية ) يمكن علاجها بينما تحتاج ال 10% الأخرى الى العلاج في احد المستويات الأعلى ، هذا الشرح يوضح ان تركيز اهتمام الدولة على المستويات العليا من الصحة سوف يؤدي في غالب الامر الى معاينة 10 او 20% من الحالات المرضية ، بينما تركيزها على الرعاية الأولية سوف يؤدى الى معاينة 90% من هذه الحالات . لذلك يكون مهما جدا ان تولي حكومة الثورة رعاية خاصة لقطاع الرعاية الصحية الأولية و ان تمده بالكوادر و المعدات اللازمة .
قطاع الرعاية الصحية الأولية يعني في المقام الأول بتوفير مراكز صحية حكومية بالقرب من المواطن ، بحيث لا يحتاج المواطن الى جهد كبير لكي يصل المركز الصحي ، و لا يحتاج الى مال كثير لكي يتحصل على الخدمة ، فالحكومة دورها ان توفر خدمة صحية قريبة من المواطن و رخيصة و محترفة . الاحتراف المقصود ان يتوفر في كل مركز صحي على الأقل طبيب اسرة او طبيب عام و ممرض و ممرضة و خدمات تطعيمات للطفولة و صيدلية بها كل الادوية الأساسية و خدمات رعاية حوامل و مراقب صحي . هذا الفريق الصحي اذا تواجد بصورة يومية يمكنه ان يرفع مستوى الصحة في أي منطقة بمقدار عظيم ، و سيقلل بكل تأكيد من تطور حالات الامراض المتفاقمة و خاصة الامراض المزمنة مثل الضغط و السكر و الربو ، كما سيوفر وقاية طبية للمجتمع و خاصة للشرائح المحتاجة مثل الأطفال و الحوامل و مرضى الامراض المزمنة و كبار السن .
الصحة في العصر الحديث لم تعد حصرا على الأطباء و الأطر الصحية بل أصبحت مهمة مجتمعية يشارك فيها كل المجتمع ، و لذلك فان تحفيز المشاركة المجتمعية في برامج الرعاية الصحية سوف يساهم بصورة حاسمة في رفع الوعي الصحي لدى المواطنين ، و هو العتبة الأهم التي يعتمد عليها النظام الصحي في مقاومة الامراض و مسبباتها و في كيفية التعامل معها بطريقة سليمة .
الجهد المطلوب كبير و لكنه بكل تأكيد جهد يصب في بناء الامة و بدونه لا تطور و لا نماء ، فالجسم السليم و العقل السليم يعني القدرة على التفكير و التخطيط و القدرة على العمل و الإنتاج ، و بالتالي فان أي مال يصرف على صحة المواطن سيعود بصورة غير مباشرة انتاجا و علما و حضارة ، فهل تسمعنا حكومة الثورة ؟
sondy25@gmail.com