بالرغم من (قداسة) مبدأ مُنازلة وطرد فلول النظام البائد من أروقة الخدمة المدنية والمؤسسات والشركات ذات الصبغة الإستراتيجية المؤثِّرة على حالة البلاد والعباد ، إلا أن أمر الإفراط في متابعة وتقصي وإستعجال النتائج حول هذا الملف يضعنا بعيداً عن (مآرب) أخرى أكثر أهمية في وقتنا الحالي ، فإزالة آثار النظام البائد على مستوى الشخوص في مواطن النفوذ سهلٌ وفيه الكثير من اليُسر رغم ما يستغرقهُ ذلك من وقت وتعقيدات إجرائية ، ولكن إزالة (ثقافة) و(أدبيات) عهد الإنقاذ البائد من تعاملاتنا اليومية وأسلوبنا في ممارسة العمل وتقديم وتلقي الخدمات وربط الصلات والعلاقات أياً كان نوعها هو الأكثر صعوبةً وتعقيداً في المعالجة والتغيير ،
ما زلنا نتوجَّس من بعضنا البعض ونُعمِل ذكريات المرارات والجراحات في عهد الجور والإستبداد لتكون معياراً للتنافس حول (ثمرات) الثورة التي لم تنضج بعد ، سوف لن نتبع بعد الآن تلك الآلة الإعلامية العملاقة التي تحاوِّل (تقزيم) أهداف الثورة وإختصارها في مُجرّد نشر ثقافة كراهية الكيزان وإفناء الوقت والجُهد والفكر في مطاردتهم ،
يكفينا في هذا المضمار أنه أصبح مبدءاً لا إختلاف عليه وقد دُعمَّت أعماله بالمخطَّطات والبرامج التي تعمل عليها الحكومة الإنتقالية عبر عنوان (تفكيك الدولة العميقة) وللذين يزعجهم هذا المصطلح وينفون بإستمرار وجودها نسميها (الدولة الخبيثة) ،
آن الأوان أن يتم تركيز مناصري الثورة على دعم الحكومة الإنتقالية للخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم ، وأن لا يهدروا طاقاتهم في متابعة ملف إقصاء (الكيزان) من مناصبهم ومقاماتهم التي ولجوها بلا إستحقاق ، لأن البرنامج الحكومي الإنتقالي مُستنداً إلى اللوائح والقوانين كفيلٌ بأداء هذه المهمة التي يتطلَّب الحصول على مُخرجاتها (تدرُّجاً) وخطوات يُفترض أن تكون مُرتَّبة ومُمنهجة.
من المُضحكات المبكيات تلك المحاولات اليائسة التي يحاوِّل مرة أخرى المدعو غندور الإصطياد بها في الماء العكر ، والمتمثِّلة في محاولة رسم صورة قوامها الحكمة والورع والعقلانية و(التسامح) حول حزب المؤتمر الوطني المأفون بالفساد وظلم الضعفاء وإقصاء الآخر والغدر بالعهد الديموقراطي الذي أُبرم في 84 ،
آخرها تصريحه يوم أمس بعد أن تداولت مصادر الأنباء إتفاق وعزم مكوِّنات الحكومة الإنتقالية إصدار قرار قضائي (بحظر) حزب المؤتمر الوطني لأسباب عُدة يعلمها الشعب السوداني والرأي العام العالمي ،
يقول غندور أنه لا يرى سبباً يبُرِّر حظر حزبه سوى خوف المنظومة السياسية الحزبية من (المنافسة الإنتخابية) القادمة ، بالله عليكم هل بالفعل يعتقد الإسلامويون أن بمقدورهم طرح أنفسهم مرةً أخرى للشعب السوداني وصحيفتهم في مضمار السياسة والعمل العام لم يزل شعبنا يقرأها بعين الغبن والشعور بالجور والظلم والإفقار والهوان ،
ألا تنفذ بصيرة هؤلاء إلى لهيب الكراهية الذي ينفثهُ شباب السودان وشاباته إبان الثورة وما بعدها في ما يُردِّدون من هتافات وشعارات ، هل بالفعل لديهم ما يكفي من الجرأة وإنعدام الحياء ليطرحوا أنفسهم للشعب السوداني مرةً أخرى في إنتخاباتٍ قادمة وبإسم (المؤتمر الوطني) ؟ .. يا مُثبِّت العقول.