حالنا هذه الأيام كما يقول المثل المعروف (راحت السكرة ..وجات الفكرة ) ..جات الفكرة ..وزالت الغشاوة التي كانت على اعيينا ..كل يوم نكتشف اشياء يشيب لها الولدان ..ولسان الحال يقول (اللهم لا نسألك رد القضاء ..ولكن نسألك اللطف فيه) ..بعد اكتشاف كم الفساد ..وضياع مؤسسات الشعب واهدار المال العام ..احتار قلبي (الصغير الذي لا يحتمل) ..ما بين تصريحات وزير التجارة عن الشركات المسجلة بأسماء اطفال للتهرب من الضرائب ..الى تصريح وزير التربية والتعليم الذي اصابنا في مقتل ..الشهادة السودانية مصدر فخرنا وعزتنا ..طلعت (زايدنها موية ) ولا حول ولا قوة الا بالله .
التصريح برغم الألم الذي حمله للامة جمعاء .. اوجد تفسيرا لظاهرة مشاكل الكتابة والاخطاء النحوية والاملائية ..والضعف اللغوي في الاجيال الجديدة ..الا من رحم ربي ..المناهج الدراسية لم تكن تضيف اي شئ ..اختصروا المواد المهمة ..واضافوا موادا غريبة ..وحذفوا سنة ..ودمجوا سنوات ..والامتحانات اعتمدت نظام الحفظ .والنتيجة كانت طالبا (كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى ) ..تلميذا كالببغاء يردد ما حفظه دون تفكير ..جيل لم يسمع بابن رشد ؟ ..ولا حتى ابن خلدون !!.و(كلو كوم ) و التاريخ السوداني القديم (كوم تاني) ..اولادنا لا يعرفون من هم بناة اهرامات البجراوية ..الاسماء فقط دعك من تفاصيل بنائها ..لم يسمعوا عن الملك أركماني ..ولم تطرق اذانهم اسم الكنداكة اماني ريناس .
المناهج الدراسية في الاساس ..ليست بها حصص مكتبة ..ولا مطالعة ..اختفت حصص الاملاء المكثفة ..الرياضيات تم تخفيفها من فصول الأدبي بالرغم انهم الذين يتجهون الى تخصصات الاقتصاد والمحاسبة . ..الشهادة السوادنية التي كانت تدرس كتب برناردشو في زمننا في مادة الادب الانجليزي ..صارت تمتحن في الكتب التي كنا ندرسها في المتوسطة (جزيرة الكنز ..وجين اير)…الان وجدنا اجابة للسؤال المحير ..كيف ترتفع النسب المئوية للناجحين في الشهادة …ولا يوجد ذلك على ارض الواقع ؟
القصة من زمنا قديم (زي ساقية فينا مدورة ) ..فقد استهدف ( المشروع الحضاري) الانسان السوداني في شخصه ..صبوا جل اهتمامهم في افراغ السودان من المورد البشري ..ارادوا خلق جيل غير مثقف ولا يعرف شيئا عن بلده …جيل مفرغ من الداخل لكي يسهل عليهم حكمه الى ما شاء الله ..لكن المفاجأة ..ان هذا الجيل هو الذي قلب عليهم الطاولة ..وثار ثورة صارت معلما تاريخيا بارزا ..هذا الجيل الذي (زادوا الموية ) في نتيجته ..كان هو الذي طالب بتصحيح الاخطاء وارجاع الامور الى نصابها ..باعادة ضبط المصنع ..
ان كنا نريد الشفافية ..علينا تقبل الحقيقة المؤلمة ..ان كنا نريد المتابعة اللصيقة ..هي الأخبار الموجعة ..و الامر في النهاية لا يخلو من خير …اذ لابد من فتح الجرح ..لابد من نظافة (القيح والصديد) ..لابد من تحمل ألم الجراحة والتطبيب ..وقديما قال المتنبئ
ذريني انل ما لا ينال من العلى فصعب العلى في الصعب والسهل في السهل
تريدين لقيان المعالي رخيصة ولابد دون الشهد من ابر النحل