يستغرب الكثيرون كيف مازال عدد من صحفي الانقاذ أمثال الطيب مصطفى و الهندي عزالدين و الصادق الرزيقي و غيرهم ، كيف انهم مازالوا على رأس الصحف ينشرون غسيلهم القذر في اعين الجماهير ، و هذا بالطبع مبني على أن هذه الاقلام كانت هي المدافع الأول عن الانقاذ و سلطتها و كانت صحفهم دوما مع الانقاذ و ضد الشعب ، و لم يسجل التاريخ لهم موقف مشرف من أجل حرية الشعب او حرية الصحافة بل ظلوا على الدوام مجرد أدوات قذرة للدكتاتورية تجمل بها وجهها القبيح .
الجماهير توقعت مع انتصار الثورة ان تختفي و إلى الأبد هذه الأسماء و صحفها ، بيد أن تصريحا من وزير الإعلام فيصل محمد صالح ذكر بانه لن يوقف صحفيا و لن يصادر صحيفة و لكنه سيعمل على أن تقوم صحافة الثورة بدورها عبر برنامج إعلامي متكامل سيظهر مع الوقت مع الاحتفاظ بحرية الصحافة . الأستاذ فيصل محمد صالح صحفي مخضرم كان ثابتا و راسخا ضد الانقاذ و ظل على الدوام احد النماذج المضيئة للصحفي السوداني المستقيم الوطني ، و لهذا حملته الثورة على اعناقها نحو مكتب وزير الإعلام، بيد أن قوله أعلاه أحبط الكثيرين في وقتها و خاصة الثوار في الطرقات ، و الذين ظلوا يشعرون بأن شيء لم يتغير حين ينظرون في الصباح إلى صف الصحف فيشاهدون اقلام الانقاذ المأجورة في صدر الصحف كما كانت ايام الانقاذ ،فتصيبهم الحسرة و الحنق .
الأستاذ فيصل و الجماهير يقفان هنا على طرفي نقيض ، فالجماهير تريد صحافة ثائرة خالية من صحفيي الكيزان، و الاستاذ فيصل محمد صالح يريد صحافة حرة لا تقصي و لا تصادر و يريد في خضم هذه الصحافة الحرة برنامجا إعلاميا للثورة يغطي على كل مخلفات النظام الاعلامية و كل ابواقها الناعقة . و رغم ان الجميع لم ير بعد ملامح صريحة لبرنامج وزير الإعلام الا ان الجميع لا يشكون في ثورية و وطنية الأستاذ فيصل و أن شعر البعض ببعض الشك .
حرية الصحافة ليس المقصود بها حماية السلطة ، و بالتالي اسكات صوت كل معارض للحكومة ، و إنما المقصود الأساس بها الوقوف مع الجماهير و حمايتها من تغولات أهل السلطة و ظلمهم ، و لذلك سميت بالسلطة الرابعة . بالطبع في عهد الانقاذ عانت الصحافة من ايقاف الصحفيين و مصادرة الصحف و منع النشر في كل قضية وطنية تهم الشعب و هذا هو ديدن الحكومات الديكتاتورية . بيد أن الثورة ليس عليها أن تمارس نفس دور الدكتاتورية ، بل عليها أن تحافظ على حرية الصحافة ، و أن تحميها ، ففي ظل حرية الصحافة سيبقى ما ينفع الجماهير اما الزبد من الصحفيين بائعي الذمة و الضمير فسيذهبون جفاءا و يختفون .
مازال التاريخ يحفظ لصحيفة الواشنطن بوست وقوفها أمام الرئيس نيكسون حين عثرت على وثائق سرية تفضح الحكومة الأمريكية في قضية حرب فيتنام ، حيث كان نشر الوثائق قدمت السلطة و يحفظ للشعب الأميركي حقه في معرفة الحقائق و هي وظيفة الصحافة ، بغض النظر عن تأثر الرئيس من عدمه ، فالشعب هو الأحق بالحماية و ليست السلطة، فالشعب ابقى و السلطة زائلة . و قد كان ، حيث مارس الرئيس نيكسون و حكومته ضغطا على صحيفة الواشنطن بوست لمنع نشر الوثائق و لكنها نشرتها و وقفت أمام الرئاسة في المحاكم و في النهاية وقفت معها المحاكم و الشعب و انتزعت حقها في النشر و حق الصحافة في حريتها ، و بعد فترة قصيرة أجبر الرئيس نيكسون على الاستقالة بعد فضيحة التجسس الشهيرة ووترغيت في ١٩٧٢ ، و هكذا ذهب نيكسون و مازالت صحيفة الواشنطن بوست موجودة تمارس حقها الطبيعي في ظل الحرية الصحفية في حماية الجماهير من قهر السلطات ، بعد ان انتزعت حق النشر لها و لغيرها من الصحف الأمريكية . و قد أصبحت تلك القصة منعطفا مهما في تاريخ حرية الصحافة في أميركا و العالم أجمع ، فهل نشهد قصة مماثلة الان بطلها وزير الإعلام؟ هل تستطيع الثورة و وزير اعلام الثورة في هذا المنعطف من تاريخ بلادنا السياسي ان ينتصروا لحرية الصحافة ؟!
sondy25@gmail.com