نظم مركز راشد دياب للفنون برعاية شركة سكر كنانة في يوم الأربعاء (13 نوفمبر 2019م) أمسية بمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيل عبقري الأغنية السودانية الحديثة الفنان إبراهيم أحمد أبو جبل المشهور بـ “إبراهيم الكاشف”، الذي ولد في مدينة ود مدني في عام 1915م، ورحل في عام 1969م.
تغنى كل من
الفنان عماد الكاشف والطاهر الخير وأحمد بحراوي بأغنيات الفنان إبراهيم الكاشف،
فيما تحدث عنه كل من الدكتور أنس العاقب والإعلامي عوض أحمدان، وذلك بحضور أسرته
التي شرفت هذه الأمسية، إضافة إلى عدد كبير من المهتمين.
أحدث نقلة نوعية
بدايةً
ألقى اعوض أحمدان الذي أدار هذه الأمسية الضوء على تجربة الفنان إبراهيم الكاشف،
فقال: “إن الكاشف ترك في الساحة الغنائية في السودان إرثاً غنائياً عظيماً
وضخماً يضاف إلى مكتبة الأغنية السودانية، ساعده على ذلك حسه الفني العميق،
وموهبته الفذة، وألحانه الشجية التي استطاعت أن تدخل وجدان كل السودانيين”.
وأضاف
أن الكاشف بدأ حياته الفنية بأغنيات الحقيبة للفنان علي المساح؛ فشكّل ثنائياً مع
الفنان علي الشيخ، ثم انفصل عنه فيما بعد، وانفرد بموهبته وغنائه الخاص، مشيراً
إلى الذين تعاونوا معه في هذا المجال، ومنهم الفنانان سرور وكرومة، والشاعران سيد
عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن اللذان احتكرا الفنان الكاشف من خلال مده بعدد من
الأغنيات الجميلة.
وذهب أحمدان إلى أن الكاشف في هذه الحقبة أحدث
نقلة نوعية كبيرة في فن الغناء السوداني من طابع الحقيبة إلى الغناء الحديث عبر الآلات
الموسيقية، إلى جانب إدخاله ألحاناً جديدة أحدثت تطوراً كبيراً في مسيرة الأغنية
السودانية.
وأكد أن الكاشف من خلال موهبته الفذة وإحساسه
العميق أعاد أداء أغنيات الحقيبة بطريقة مختلفة، وأضفي عليها كثيراً من إحساسه
الفني الفطري، وأخرجها للجمهور بطابع تطريبي جميل، وختم أحمدان حديثه بذكر عدد من
الطرائف في حياة الفنان إبراهيم الكاشف، التي أظهرت مقدرته القوية على الحفظ
والتلحين.
أبو
الأغنية الحديثة
يرى الدكتور أنس
العاقب “أن الفنان الراحل إبراهيم الكاشف يعدّ الأب الحقيقي للأغنية
السودانية الحديثة”، وقال: “أنا في بداية تذوقي للغناء وأنا صغير وجدت
صعوبة شديدة جداً في استيعاب أغنيات الكاشف”، وأضاف أن الفنان الكاشف قدم
تراثاً غنائياً لم يجد تحليلاً ضافياً عند النقاد السودانيين، وأكد أن الكاشف كان
حريصاً جداً بأن يقدم تجربة غنائية جميلة ومتميزة، وفي الوقت نفسه تجربة مختلفة من
الأغنيات إلى الجمهور السوداني بأداء فطري، مشيراً إلى المؤثرات الداخلية
والخارجية التي ألقت بظلالها على هذه التجربة من الأسرة والبئية التي نشأ فيها في
مدينة ود مدني.
ولفت العاقب إلى
وجود الغناء الشعبي والمديح النبوي، إضافة إلى سرعة الكاشف السريعة في حفظ
الأغنيات، واختزانه طاقة كبيرة وقوية في التلحين والأداء، هذا إلى جانب تمرده على
الأسرة والمجتمع؛ مما دفع الأسرة إلى أن تزوجه وهو صغير في السن، وذلك بغرض أن تبعده
عن ممارسة الغناء، ولكن إصرار الكاشف على السير في هذا الطريق قاد إلى نجاحه، فقدم
للشعب السوداني حديقة واسعة من الغناء.
وذكر الدكتور أنس
أن دخول الآلات الحديثة على الأغنية انعكس إيجاباً على أداء الكاشف الغنائي، وذلك
من ناحية نمط التفكير، وإدخال الجمل اللحنية واللزمات الموسيقية.
وقدم الدكتور أنس تحليلاً علمياً لأغنية “الشوق
والريد”، وقال: “إن هذه الأغنية تبدأ بإيقاع متمهل، وفيها إحساس وشجن
عميق جداً، ثم خرج في هذه الأغنية من إيقاع النوبة التقيل إلى إيقاع الغناء الخفيف”،
وشبهه بالإيقاع الدرامي السريع.
كما حلل العاقب أغنية
“فتنت بيه”، مشيراً إلى أن الأغنية أثارت جدلاً واسعاً داخل أوساط
المثقفين السودانيين، وذلك من ناحية الكلمات واللحن واللزمات الموسيقية والجمل
اللحنية، وقال: “إن الكاشف قام بهندسة هذه الأغنية بصورة رائعة وجميلة أثبت
فيها عبقريته الفطرية الفذة التي انبنت عليها تجربته الغنائية”.