نقف اللحظة أمام أحد فروع ” وال مارت ” أضخم سلسلة لبيع التجزئة في العالم’ التي تمتلك نحو ١١ ألف فرع نحو نصفها داخل أمريكا .. بلد المنشأ. وتعد أغنى من نصف دول العالم وتجني نحو ٤ ملايين دولار في الساعة .. نعم في الساعة’ وتصنف العائلة المالكة لها بأنها من الفئة الأعظم ثراء في العالم.
عشرات من سيارات المتسوقين تصطف على الساحة الأمامية حيث طلمبة نفط يعلوها شعار المؤسسة العملاقة .. على أقصى اليمين مشتل نباتات طبية’ عطرية’ ثمرية’ ظلية’ غذائية كالطماطم’ مصدات رياح’ وزينة.
في الصالة المدخلية ينشط عمال في ترتيب أكثر من ١٠٠ عربة تسوق يدوية’ التي يتركها العملاء المغادرون بالخارج فنسحب إحداها .. على مقربة منهم صنابير ماء صحي نقي يملأ منها العملاء أوعيتهم مقابل عملات معدنية قليلة .. كبار السن وضخام الجسم ثقال النشاط والمعوقون يندفعون للداخل على مركبات مبطنة مريحة تدار يدويا تتيحها المؤسسة لهم للتحرك واقتناء ما يشاءون وهم جلوس. هنا صيدلية أمامها أرفف لتختار ما تشاء من الأدوية والفايتمينات والمقويات مثل الحبوب المستخلصة من نبات المورينقا عظيم الفائدة ومعينات التجميل وغيرها من تلك التي لا تستدعي وصفات طبية فيما ينتظم صف من سيقابلون الصيدلي بعيدا فيتقدمون واحدا إثر آخر تحاشيا للإرباك واحتراما للخصوصة. على اليسار مكتب تحويلات مالية لكل أنحاء العالم بيسر .. بجانبه جهاز شراء قسائم اليانصيب الإلكترونية وهي زهيدة مثل فئات دولارين و٥ و١٠ وإن تبسم لك الحظ فقد تحصد عشرات آلاف الدولارات’ وقد تصعد لسنام مليوني’ وهي تسحب أسبوعيا.
تنبعث هنالك رائحة طعام توقظ المعدة من فرع مطعم ماكدونالدز العالمي .. أسر بأطفالها تقبل على ما لذ وطاب وكذا أفراد .. وللشعوب عاداتها في الموائد فالفيتناميون لا يأكلون جماعة .. حتى في المطاعم كل يجلس وحده مثل التلاميذ على أدراج الفصول! وعندنا تطلب فولا في مطعم فيضع عليه شريكك في التربيزة طلب الكبدة الخاص به لتتشاركا. وخير الطعام ما كثرت فيه الأيادي. ويوصف الاقتصاد الفيتنامي بالديناميكية وبأنه من أسرع الاقتصادات نموا بفعل العناية بالسياحة والتصنيع. ويعيش منهم هنا نحو مليون و٣٠٠ ألف.
مساحة المجمع التجاري الذي نحن بصدده تماثل سعة مدرسة ثانوية بداخلية في السودان تجد فيها ما تتصور وما لا تتخيل حتى مستلزمات حيواناتك المنزلية .. بدءا بالمأكولات والمشروبات’ عبورا بالجوالات والساعات والملبوسات التي تخصص لها غرف لتجريبها، وليس انتهاء بلعب الأطفال.
عند الخروج يمكنك خدمة نفسك عند أحد الأجهزة الحاسبة حيث تعرض مقتنياتك على الماسح الضوئي تباعا ثم تدفع جملة المطلوب بالبطاقة وتخرج. وإن كنت جديدا مثلي فالموظفون من الجنسين في خدمتك.
قبيل بوابة الخروج قسم خدمة العملاء ومن واجباته تقبل ما تعيده بعد الشراء حتى بأشهر عديدة ولك خيار تسلم مبلغك أو استبدال مشتراك .. تصوروا .. على أن تكون السلعة بحالة جيدة وتقدم مستند الشراء الإلكتروني!
عند الانصراف تبسم في وجهك حسناء شاكرة تشريفك لهم!
شفتو كيف؟!
في كل حي مجمع أسواق به المتاجر وفروع البنوك وكل الخدمات ولكن يندر وجود بقالات ومخابز على ضفاف الشوارع كما في السودان.
وهناك مؤسسات تجارية متخصصة مثل مستلزمات الأطفال .. حاجيات الرياضات .. أدوات البناء .. الأثاث المنزلي .. والأجهزة الكهربية كالكمبيوترات التي تبدأ من ١٠٠ دولار ارتفاعا للثلاجات والمكيفات التي تدفع قيمتها وتسلم لك في البيت على عنوانك. وبمقدورك طلبها عبر النت دون الحضور بعد الاطلاع على العروض.
دعاني صديق عطبراوي لمشاهدة سوق الأربعاء قرب مسكنه فلبيت وفي بالي سوق الأربعاء في البرقيق بالشمالية فوجدت الخضراوات والفواكه الطازجة تعرض من قبل المزارعين وأسرهم مباشرة’ التي لم تستخدم فيها الأسمدة الكيماوية’ فقط السماد الحيواني ” ماروق ” .. منتجات عضوية ” أورقانك ” لذا أعلى فائدة وسعرا حيث طفنا بالمنتجات على امتداد شارع: زهور .. سلال .. مشغولات يدوية .. مخبوزات .. إلخ
في شارع جانبي متفرع وجدنا صديقنا العطبراوي في انتظارنا على نجيل ناعم تحت أشجار متعانقة وقد افترش سجادتين .. فقدم لنا الفستق والكرز والذرة الشامية المشوية وتمرا جزائريا وزن كيلو يعادل ثمنه ٤٠٠ جنيه سوداني. والمفارقة أنه لا يختلف عن البركاوي السوداني غير أنه مخدوم بتبخيره وتغليفه. وقد بعت نظيره بالمبلغ نفسه قبل عامين لكن ملء جوال كامل وفي مقدم رمضان!
متى نحسن فنون التسويق والتصدير؟
كانت أسر الخواجات تسترخي من حولنا .. تنزع ربة الأسرة حقيبة يدها وتفردها فتتحول لمفرش جميل عريض يجلسون عليه فيما الأطفال يشقشقون بلكنتهم الأمريكية السريعة وتسرح الشابات متسكعات وقد سال من شعرهن المتراقص الذهب’ فيما تعزف فرقة موسيقية ألحانا راقصة على البعد فيلتف حولها بعض المتنزهين وشغوفو الاطلاع. والجمال يشع من كل مكان’ وتبادلنا التحية مع مجموعة شوام تتموضع غير بعيد منا’ وجاءتنا إثيوبية بمطوية ملونة تدعو للتعامل مع كافتيريا قبالتنا تقدم أكلتهم الشعبية ” زقني” المشططة. ويشكل جيراننا الإثيوبيون الجالية الإفريقية الثانية بعد النيجيرية بتعداد مليون منهم ٢٥٠ ألفا في واشنطن ومحيطها يحولون لبلادهم نحو ٥ مليارات( بالفرنسية) دولار سنويا أو إن شئت ٥ بلايين بالإنجليزية أي واحد أمامه ٩ أصفار بالسوقين الرسمي والموازي أي الأسود أو السوداء لأن السوق يذكر ويؤنث. وينشطون متضامنين في مجالات شتى’ منهم حلاقتي خفيفة الظل التي تدير صالونا لخدمة الجنسين وهو الشائع هنا.
في تمام السادسة نزعت مظلات العروض المؤقتة فالنظام يحترم حتى إن مضيفنا قال إنه ذهب لشراء ما أكرمنا به فامتنع بائع عن تلبية طلبه لأنه لاتزال هناك ١٠ دقائق على بدء التسويق عند الثالثة ظهرا!
كيف لا يتقدمون؟
ونحن نغادر التمعت في الخاطر رحلاتنا في جناين شندي ونحن نقطف فواكهها المجانية في الزمن الجميل وصوت الشفيع ينساب:
يا حليل ربوع شندي
بلد الجمال عندي
ذهبنا مرة لمطعم بنظام البوفيه المفتوح في وجبة غداء فحمل كل منا صحنه للاختيار من بين نحو ٣٠ من أصناف المأكولات و٢٠ من الفواكه والتحلية. ملأنا الصحون وجلسنا نقبل عليها فيما تأتي النادلات بما نطلب من العصائر. ومهما أكلت تدفع ٢٠ دولارا مقابل الفرد.
لم نستطع إلا أكل نصف ما تخيرناه فقلت لمحمد:
المرة الجاية نجي ما فاطرين ..
فضحكنا!
( سياتل )