لأن آفة حارتنا النسيان، استعيد بعض مشاهد وبعض ردود أفعال على قرار الرئيس أوباما بتعليق بعض العقوبات التي فرضتها إدارات أمريكيه سابقه على حكومه السودان.
المقال ليس مهتماً بمتابعة مآلات العقوبات خلال فترة الاختبار الحالية؛ لأن ذلك تحصيل حاصل في ظل ما نتابع من السيد ترامب، ومن الأمين العام للامم المتحدة، ومما تبث حارتنا. ولهذا يهتم المقال بمتابعة مدى رصانة التناول الرسمي، ومدى صدقية تعليقات نافذين، ومعدلات الخفة، أو سمها محاولات بيع السمك في حارة السقايين.
لاشك أن من يتابع بعض ما نشر يستطيع استنتاج لماذا فرضت العقوبات، وما الذي سيحصل؛ لأن معظم التصريحات تبدو خارج السياق، وخارج قاعدة الموضوعية، ولن أجازف إن قلت إنها خارج العصر!! وهناك محاولات لإغراق الرأي العام السوداني في أوهام أحلام اليقظة ومتاهاتها. وأقتبس عينة مبسطة مما قيل، وما يفترض أن يقال. فمثلاً السيد قطبي المهدي نفى أن شعار أمريكا دنا عذابها من تحت الإنقاذ، ولم يكتف بذلك بل ألصق الشعار باليسار. ومن جهة ثانيه أوردت صحيفة الوطن في 5/4/2017 ما ينقض غزل ذلك النفي حين قالت (إن المؤتمر الوطني يفكر في تغيير شعار “فلترق كل الدماء”)!!
الشعب السوداني قابل القرار بالترحيب والتفاؤل الحذر، وتابع التصريحات الرسميه بلا مبالاة. ومع عدم وجود قياس للرأي، ولكن الشعب لا يثق فيما يطرحه إعلامه، وهو يعكس وعيه الذي يقوده. فضلاً عن أنه من أذكى شعوب المنطقة. وفي الحقيقة، السوداني يتجلى ويتوقد ذكاؤه في لحظات سماعه للورجغة الرسمية، وخصوصاً في أزمنة التصريحات (المنبرشة) التي تحاول استغفاله فيفسرها بأنها تقلل من ذكائه. لا عجب أن أبدع السودانيون في التنكيت والتبكيت الذي اهتم بوقع العقوبات وأثرها في معاشه، وطائراته، وقطاراته، وجنيهاته. وتبرهن كل النكات بعلمه بأكثر من قادته، وإدراكه أن ما حدث جنته عليه حكومته؛ لهذا ارتفعت بورصة التنكيت.
واستخدم السوانيون الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي منصة لتعميم السخرية من النقص الحاد في موضوعية التناول الإعلامي الرسمي. وهو ما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان الإعلام الرسمي النمطي يعلم أن الصفحات الشخصية لبعض الناشطين والناشطات كسرت احتكاره للمعلومات منذ بعض الوقت صار والاستيثاق من تفاصيل العقوبات يبحث عنه في الوسائط الاجتماعيه.
وفي الحقيقة أكد تناول بعض الناشطين أن الاعلام الالكتروني السوداني صار صاحب سطوة وتأثير، وأشار إلى أن السودان ما زال بخير من ناحية وجود موضوعية ورصانة، ومن ناحية إجبار الناس على الرهان على العقل، وعلى الصدقية، وعلى الغيرة على سمعة الكلمة المنشورة.
هل سجن الإعلام الرسمي نفسه في زمن ماضٍ أم أن من يصرحون يعيشون خارج العصر الرقمي؟ أيا تكن الإجابة، فإن البروفيسور فيلبو مينزر من جامعة إنديانا حسب موقع بلومبيرج (مقال فاي فلائم ، 3/4/2017م) أكد أن للناس ميلاً فطرياً لاستنساخ السلوكيات المبتذلة، ومن أسف أن بعض التصريحات تؤكد هذا الاستنتاج.
ويضيف البروفيسور مينزر أن النشر الكثيف متى وصل إلى المتلقي يؤثر فيه، إلى حد تصديقه للوهم بأنه حقيقة، ودلل بتطبيقات اسمها (البوتات) التي تستخدم في الوسائط الاجتماعية لتحاكي ما يبثه الإنسان، وحين تبث بكثافة وُجد أن المتلقي يتوهم صدق ما تبثه، بينما هي مجرد أدوات، فضلاً عن أن ما تبثه ليس فيه أي حقيقة. وهو ما يعني أن للإعلام الجديد تأثيره الذي يستلزم من الإعلام الحكومي مواكبته واللحاق بعصره وإلا فإن مصدر البث لا يهم المتابع، خاصة إن استصحب المتابع زيف الإعلام الرسمي.
وفي الحقيقة يتأثر الناس بالدراما وبالتمثيل وخصوصاً حين يتقن الممثل دوره، فقد يؤثر فينا إلى حد زرف الدموع، وهذا تأثر حقيقي، ولكن الدراما ليست حقيقة، من هنا يمكن توليد الصدق من الزيف، ومن هنا تنبع أهمية الموضوعية وعدم التقليل من ذكاء الناس. فالتقنية تحد من معدلات تزييف الحقائق، مثلما تكسر باستمرار احتكار حق الوصول للناس.