أبسط (موجبات) إستعجال إعفاء ولاة الولايات العسكريون وإستبدالهم (مؤقتاً) بكفاءات مدنية إلى حين الفراغ من مفاوضات السلام التي تجري حالياً على قدمٍ وساق ،
أن بعضهم وعلى ما يبدو قد بدأ يركب موجة (دفع) الناس إلى الثورة على الثورة نفسها ، فإن كان بعض هؤلاء الوُلاة يمثِّلون سبباً رئيسياً في شكوى معظم مواطني الولايات السودانية من كونهم لم يشعروا في مواقعهم للآن وعلى الصعيد النظري والميداني بأن هذه البلاد قد إنتصرت فيها ثورة الحق والحرية والقانون وإنهزمت فيها جحافل العهد البائد بما حملوا على ظهورهم من أوزارٍ أقلها إذلال الناس وسرقة مواردهم وجرَّهم جراً إلى مستنقعات الإفقار والشعور بالعجز وإنعدام الحيلة ،
إن كان معظم ولاة الولايات الحاليين يصِّرون ألا يعكسوا في وجدان الجماهير ما أفصحت عنه ثورة ديسمبر المجيدة ، بل إندفع بعضهم إلى مجاراة فلول النظام البائد في تنافسهم على وأد مظاهر الثورة وطمس معالمها وتشويه مبادئها عبر الكثير من التصريحات والإيماءات التي كان أخرها تصريح والي النيل الأزرق الوارد في معظم صحف البارحة والذي قال فيه (الشعب سيسقط حكومة حمدوك) ،
ألا يعلم صاحبنا أن الشعب هو الذي أتى بحمدوك وأن حمدوك نفسه يعلم أنه مراقب من قبل هذا الشعب الجبَّار ، ثم أن الحتميات التي أوردتها تجارب الشعب السوداني عبر تاريخه الطويل في مضمار النضال الوطني أنه بالفعل الذي سيسقط حمدوك وغير حمدوك إن جافت مسيرته وتوجهاته مباديء الثورة وشعاراتها ، ولكن يبدو أن السيد الوالي أراد بذلك التصريح أن يبقى التفسير المُستتر ماثلاً للذين يبغضون الثورة ويعتبرونها (أزمة عابرة) أو هكذا يتمنَّون ،
نحن نعلم أن فلول النظام البائد المستمسكة بمناصبها في معظم الولايات وتهاون الولاة في إبعادهم يُمثِّل الآن (جبهةً) إستراتيجية (تحلمون) عبر مؤامراتها أن ينقلب الشعب على حكومته الإنتقالية ويثور عليها ، ولكن هيهات فهذه الجماهير قد ملكت زُمام الوعي والمبادرة ولا مجال للتراجع.
وهناك تصريحٌ آخر لوالي النيل الأبيض أيضاً تداولته معظم صحف الأمس ويسير في نفس إتجاه تصريح والي النيل الأزرق ولكن بصيغة أخرى إذ يقول (لن نمضي إلى الأمام إذا لم ينته عهد الصَبة والمظاهرات) ، وهل تعلم سيدي الوالي أن هذه الثورة قامت وإنتصرت أصلاً من أجل الصبة والمظاهرات وإستمرار عهدهما للأبد ، وأن شعارها حرية – سلام – وعدالة لا يمكن تفعيل معانيه نظرياً وواقعياً دون (فتح الباب على مصراعيه) للصبة والمظاهرات وكافة أشكال الإحتجاج والإستياء من توجهات وأعمال وأداء الحكومات وموظفيها من ولاة وغيرهم وفقاً للقانون والدستور ،
هل تعلم سيدي الوالي أن ما دفعت الجماهير ثمنهُ أرواحاً ودماءاً طاهرة كان بإختصار مُتمثِّلاَ في قدرة البسطاء وعامة الناس أن (يجهروا) ويعبِّروا عن سخطهم ورفضهم لهذا الواقع المهين الذي لم يتغيَّر حتى في حدود ما ينبغي أن يكون عليه الخطاب السياسي للولاة والحكام تجاه شعبهم ،
رسالتي لمجلسي السيادة والوزراء أن أغيثوا وأنجدوا جموع الشعب السوداني في معظم الولايات السودانية من فتنة (إحباط) ما بعد الثورة وعدم تحسَّسهُم للتغيير في واقعهم الحياتي والرسمي ، هذا إن لم يكونوا بالفعل قد خطوا خطواتٍ واسعة نحو الأسوأ.