شخصياً أعتقد أن الحكومة الإنتقالية تسير بقدرٍ كبير في الإتجاهات الصحيحة لإصلاح الوضع السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي و(الأخلاقي) في البلاد ، على الرغم من أن الرؤية في هذا المضمار قد تكون (مُعتمة) للذين ينطلقون في نقدهم لها من (تصوَّر مُسبق) لواقع تواتر الأحداث وِفقاً لإفتراضات منطقية تُوجِب (تسلسلاً) في الإجراءت والخطوات ،
فعلى سبيل المثال وبالنسبة لي ورغم ما حُظيتُ به من تفاؤل بعد إحباطٍ متواصل ، كانت خطوة الأمس المتعلِّقة بإستدعاء النيابة العامة لـ علي الحاج وإبراهيم أحمد عمر وبعض المتهمين في تدبير وتنفيذ إنقلاب 89 المشئوم خطوة (جبّارة) في مسيرة الإصلاح لكنها مُتاخِّرة ،
فمن حيث التسلسل المنطقي الذي كنا نتوقعه لمشروع ترسيخ قداسة الإلتزام بالعهود بين الكتل السياسية في التوافق على النظام الديموقراطي كمنهج ثابت لتداول السلطة وكذلك رسم سابقة واقعية في تاريخنا السياسي تفيد إلتزامنا وعزمنا الذي لا يلين في مناهضة مبدأ (عفا الله عن ما سلف) ومقولة (فلنفتح صفحة جديدة) ،
كان إستدعاء هؤلاء (أولوية) تسبق كل ما تم إنجازه في الثلاثة أشهر الأخيرة التي مثَّلت عمرالحكومة الإنتقالية ، فما حل بالبلاد والعباد من هدمٍ ونهب وإفقار وتجاوز للقوانين والأعراف والأخلاقيات لم يكم ليكون لولا إنقلاب الإسلاميون وخيانتهم للعهد الديموقراطي ، لذا من وجهة نظري الشخصية لا مجال للوصول إلى إصلاحات جذرية في حال الدولة السودانية ولا نتائج مرئية في ملف تفكيك دولة التمكين دون تحقيق الشعارات الوطنية التي رسمت معالم ثورة ديسمبر المجيدة ،
و في مقدمتها مساءلة ومحاكمة كل الذين دبَّروا ونفذوا إنقلاب الإنقاذ المشئوم على المستويين العسكري والمدني ، قداسة المنهج الديموقراطي لن تتحقَّق (جماعية) الإيمان بها دون تسجيل (سابقة) قضائية جادة ونزيهة تُعلن للأجيال القادمة بوضوح أن الإنقلابات العسكرية وتقويض الأنظمة الديموقراطية (جُرمٌ) لا يغتفر في حق البلاد والعباد.
هل كانت ستمضي مسيرة هذه الثورة المباركة نحو مراميها وأهدافها دون الإلتفات إلى ملف (المُتسَّببين) في كل تلك المآسي التي لم تدع أحداً من الذين خالفوا فكرهم أو إلتزموا مُجرَّد الحياد خارج دائرة الضرر الجسيم ، إنقلاب 89 أفقر البلاد والعباد وأزهق أرواح الشجعان الذين جاهروا بالحق وعملو على إبطال الباطل بالمواجهة والنضال ،
وهو أيضاً مسئولٌ عن هدم مؤسسية الدولة وأزهاق روح القانون وزوال ثقة الناس في النظام العدلي وتشريد الآلاف من شرفاء بلادي من وظائفهم بإسم التمكين السياسي ، وإستباح موارد الدولة وثرواتها ، ثم مرَّغ كرامة الأمة السودانية في الوحل بتوجهاته وسلوكياته وتحالفاته الدولية المشبوهة ، ثم أعمل آلة القتل الجماعي في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة بعدما إنفصل جنوب السودان دون أن تطرف لهم عين ،
ثم بعد كل هذا كانت آخر (تداعيات) إنقلاب 89 ما حدث يوم 29 رمضان بأرض القيادة العامة وما أدراك ما مجذرة القيادة وما سبقها من إزهاقٍ لأرواحٍ طاهرة ، لا أظن أن هذه الثورة وإن إنتصرت وإستطاعت حكومتها الإنتقالية أن تُلبي تطلُّعاتنا وأحلامنا بـ (سودان جديد) ، بقادرة على أن تفرض (قداسة) المنهج الديموقراطي و(عُلو) شعاره (حرية – سلام – عدالة) في نفوسنا ونفوسِ أجيالٍ قادمة دون فتح هذا الملف الذي من شأنه أن ينصف البلاد والعباد ويعمل على حمايتها من ما يُضمر في الصدور.