في الأيام الماضية طالعت ظهور عدد من الأحزاب السياسية الجديدة و عدد من الكيانات الجغرافية و الجهوية الجديدة ، و استغربت فعلا و تساءلت ما هي مبررات ظهورهم ؟ ماهو الدافع؟ هل هناك حوجة فعلا لأحزاب سياسية في بلد يفوق فيه عدد الأحزاب السياسية المائة و خمسون ! و هل هناك فعلا حوجة لكيانات جغرافية او جهوية في بلد مازالت القبائل تقتتل فيه حتى الموت على لا شيء ، كما يحدث في بورتسودان هذه الأيام ؟!!
بالتأكيد لن أجد إجابة الا بالعودة إلى ثقافة العمل السياسي التي اوجدتها الانقاذ ، حيث حولت الانقاذ السياسة إلى سوق نخاسة يسهل فيه البيع و الطلب ، غيرت الانقاذ وظيفة السياسي تماما من خادم لمصلحة الجماهير إلى خادم لمصلحته الشخصية و لمصلحة ملذاته من المال و الجاه و العمارات الخرسانية ، الانقاذ شوهت الأخلاق في الوسط السياسي و حولته لوسط ملوث همه الأساسي الثراء و الزواج مثنى و ثلاث و رباع ، تجنت الانقاذ على العمل السياسي حين حولته لمصدر تكسب و ( لغف ) ، لهذا كل من استطاع جمع ألف شخص في قاعة هللت له الانقاذ و فاوضته و سلمته وزارة و عربية فاخرة و فيلا في كافوري ، حتى ما عاد الناس يعلمون من هو هذا الوزير و ما هو حزبه من كثرة الاسماء و تعدد الأحزاب .
و يبدو ان موضة ظهور هذه الأحزاب و الكيانات الجديدة قد جاءت بالفهم الإنقاذي القديم ، و ظنت أن الواقع لم يتغير ، و أن الثورة لن تستطيع تغير قواعد السياسة ، و لهذا سارعوا لتكوين هذه اللافتات الحزبية و الجهوية من اجل ( اللغف ) و ( السف ) من المال العام ، و لكنهم واهمون ، لقد انتهى ايها السادة هذا العهد البائس إلى غير رجعة ، و لن يعود مجددا ، انتهى عهد السياسيين الارزقية ، انتهى عهد تجار الدين و تجار السياسة ، و عرفت الجماهير كل الحقائق، و وعيت الأجيال الجديدة معنى السياسة و دورها المحدد بتنفيذ مصلحة الشعب لا مصلحة الذات ، و فهم الشعب ما فعلته دولة البؤس الانقاذية به و بامواله حين سلمتها لأحزاب و كيانات كرتونية فكانت عطاء من لا يملك لمن لا يستحق .
و كتذكير لهؤلاء لو انهم يتابعون ما يجري في أروقة الدولة هذه الأيام فإن مدير مكتب وزير البنى التحتية قدم استقالته ، نعم قدم استقالته و على الملأ، بالطبع هم لم يسمعوا بأدب الاستقالة طيلة فترة الانقاذ ، فالجميع ( مكنكش ) في الكرسي الذي يدر عليه دخلا و مالا ، و لكن في ظل دولة الثورة فالكرسي من نار و الشعب رقيب و منتبه ، و جريرة مدير مكتب الوزير لو حدثت في زمن الانقاذ لما انتبه لها شخص ، فكل ما فعله مدير المكتب ان طلب دعم لشقيقة الوزير المريضة بدون علم الوزير من مؤسسات تحت ادارة الوزارة ، و لكن الطلب تسرب إلى الميديا و هاج طوفان الاستنكار من الجماهير باعتبار أن هذا تعدي على المال العام ، فقدم مدير مكتب الوزير استقالته حتى لا يظن أنه فعل ذلك لأنه يبتغي من بعده ارسال الطلبات في كل الاتجاهات من أجل مصلحته الشخصية ، استقال و قدم النموذج الأول على أن صوت الجماهير واصل و حاسم و مؤثر في عهد الثورة ، و أن الوصول للمال العام باي طرق ملتوية كما كان يحدث في الانقاذ قد انتهى بلا رجعة.
لذلك انصح هذه الأحزاب و الكيانات الجديدة، أن كانت تنتوي الوصول إلى مغنم فإن زمان المغانم فات، و أن كانت تنتوي الوصول إلى منصب فإن زمان المناصب المجانية مات ، و اشرق عهد جديد، لا مغنم فيه الا للشعب ، و لا منصب فيه الا لمن يستحق بالكفاءة و التأهيل و الانتخابات الحرة النزيهة .
sondy25@gmail.com