أحبتي القراء الأعزاء.. طابت اأوقاتكم قصدت أن أهديكم هذه الاتكاءة للاستراحة هنيئة من هرج ومرج السياسة التي تشطب الدماغ بمدها وجزرها.
بالأمس اتصلت بي إحدى طالباتي بالصورة والصوت تطلب مني على استحياء مساعدتها على كتابة مقال عن واحدة من القيم الإنسانية العظيمة التي تهذب النفوس البشرية لتزود بها الصحافة الجدارية. .فسالتها أن تسمى القيمة المعنية لكتابتها.. فطرقت قليلاً.. فأردتُ مساعدتها، فقلت : ماهو رأيك في هذه القيم ( الصدق. الأمانة،. الحب، الرحمة، الشجاعة، المروءة والرفق والخ) فصمتت برهة وقالت لي : بما أن كل القيم الإنسانيه التي درسناها عظيمة. وتزكي النفس البشرية وتهذبها ، وتكسب الحياة ألقاً جميلا! إلا أنني اختار قيمة الحب.. لماذا؟ لأن الحب هو الحياة… واليوم يوم مميز بالنسبة إليّ يا استاذتي.. إنه يوم ميلادي، الذي يصادف ٢٢ نوفمبر فسعدت بذلك أيما سعادة، فهنأتها بيوم ميلادها السعيد.. فشكرت لها جرأتها لاختيار الموضوع ليتلائم ويومها المميز.
بدأنا تحديد معالم مقالنا؛ لأن الموضوع الذي اختارته كبير وعريض وشائك ومتشعب، وقد يحتاج إلى زمن وتفكير عميق قد يخرج في مجلدات..لأن الحب قيمه إنسانية راقية أساسية للحياة الطبيعية. فالحب أنواع: حب الذات الإلهية (الله) هو أساس الإيمان، وقمة التجلي والسعادة الأبدية.. حب الرسول عليه الصلاة والسلام.. حب الوالدين.حب من تصطفيهم روحك، حب الأزواج، حب الأبناء، حب الاخوان، حب الأصدقاء، حب الأوطان، حب العمل، حب عمل الخير، حب المعلم لطلابة، حبي للتحرير وقرائها والي آخره، وقد لا يتسع المجال للكلام عن كل الانوع. بل ناخذ الوضع المعاش للجميع. ولكن أصرت طالبتي أن تكون باسلوبي أنا.. فحاولت معها َلنعيش تلك اللحظة معكم أحبتي.
حضوره أي بحضور الحب تختلف الأشياء والأماكن والأوقات، كأن هناك روحاً نفخت فيها جعلتنا نتعلق أكثر ونرتادها أكثر، ونتلذذ بثوانيها أكثر، لنقف منبهرين أمام هذا السؤال؛ ما الذي حدث لها؟ لتكون الإجابة الحتميه أنه الحب الذي يفعل كل ذلك، فلحضوره سيادة لا تضاهيها سيادة، وما أجمل حضورنا إذا كان بتلك السيادة!
بالحب تتغير طبيعة الأشياء ووظائفها . الساعة التي كنا لا نعيرها اهتماماً ها نحن الآن بسببه نراقب عقاربها الصغيرة والكبيرة، ونتمناها ان تركض أحياناً كثيرة لتقرب موعد الأحبة.. وأحيانا أخرى نرجو تطابق العقرب الصغير والكبير ليتوقف عندها الوقت بحضور من نحب. فنصحو بعدها بأن تلك الأماني ليست الا أحلاماً قد طلقها الواقع منذ بداية الزمان، وإن التمسك بها من الخيارات غير صائبة لاستبدالها بواقع جميل والاستمتاع بكل ثانية متجاهلين تلك العقارب.
لنتعلم عدم التمسك بالأمنيات والإكثار من كلمة لو فحسب، بل الاستمتاع بالحاضر بتكييف معطياته لصالحنا. علمنا الحب أن لديه قدرة عجيبة في تحويل الكبار صغاراً، والصغار كباراً، ولديه القدرة أعجب في جعل العاقل مجنوناً والمجنون عاقلاً. فلا يستغرق ذلك كثيراً من الوقت لديه، فمجرد ما يزور القلوب يبدأ بتسريب مفعوله رويداً رويداً حتى تجد نفسك فجأة أسير له! ليجعلنا أمام أسئلة قد نعجز عن الإجابة عنها حتى اللحظة! لنتعلم بأن بعض الأسئلة لا إجابة لها… فجمالها في محالها!
علمنا الحب أن نكون علاقه حميمية جداً مع هواتفنا النقالة نصدقها في أحيان كثيرة، ونكذبها في احايين أخرى عندما لا نجد رسالة او اتصال من من نحب، ويندهش منا كثير عندما يجدنا نقرأ الرسالة نفسها مراراً وتكراراً، ونرمق بنظراتنا الصورة نفسها مرات تتجاوز المعقول، ليتهمنا بينه وبين نفسه أحياناً بكثير من الصفات التي ربما كانت أبعد من أن تطلق علينا، ولكنه سعيد جدًا بأن آخر نظرة لنا نلقيها قبل النوم لجوالتنا، ونبدأ صباحاتنا بالتأمل فيهم، ليصبحوا شغلنا الشاغل، لنعلم بأن الأهتمام بالوسيله في غاية الأهمية من أجل تحقيق الغاية. تعلمنا منه أيضاً تنكسر عنده الكبرياء والغرور، خصوصا إذا كان حاضراً بصدق، لتتغير المفاهيم وتتماهى فيما بينها، لنكون ماهرين جداً في إيجاد الأعذار والبدائل فنستبدل، الاستلام بالتسليم… والتنازل عن الحقوق بالتضحيه… والإزعاج بالاهتمام. والغرور بالثقة بالنفس. … لنخترع قاموساً جديداً نسقط فيه ما ينتابنا من مشاعر، لتكون دائماً وابداً لصالح ذلك القلب المسكين الذي أصبح لا يحتمل كل ذلك، لنؤكد حينها بأنه بالفعل الحاجة أم الاختراع.
وللحب مفعول سحري قد ترى وجه من تحب في كل مكان، وكأن الوجوه أصبحت تكرر، وأصبحت لديك قدرة على تمييز ما يملك من بين مئات الأشياء، وتعشق اغتناء ما يمتلكه ليصبح لديك شبيه لكل أصل لديه، وماهي إلا خدعة تحيكها لذاتك لإرضاء شيء ما بداخلك لم نسطع تحديده حتى اللحظه!!عند الحب تتكسر المسميات والألقاب والمناصب والشهادات، لتصبح أنت كيفما أنت لا تزينك إلا تلك المشاعر الصادقة إن وجدت، ومهارتك وبراعتك في ترجمتها الي أفعال، لتمنح في عالم الحب مسميات والقاب ومناصب أكبر من تلك التي تملكها في عالمك.
التكملة في العدد القادم في الصحيفة الجدارية، وكل عام وتلميذتي المدللة بخير، وعشاق التحرير بألف خير، ولربما هذا التوقيت قد يصادف ميلاد أحدهم او عزيز عليهم أو مناسبة سعيدة.. مع تمنياتي لكم بالأمنيات الطيبات.لكم مودتي وحبي.