واشنطن- التحرير:
أكد المهندس عبدالرحمن الصديق في ندوة عن ” الأبعاد السياسية والاقتصادية للعقوبات الأمريكية على الحكومة السودانية والسيناريوهات المحتملة” وشارك فيها الدكتور سليمان بلدو ” وجود معطيات تعطي فرصة أكبر للإبقاء على العقوبات ( في يوليو 2017) ، حتى تقدم حكومة “المؤتمر الوطني” ( الحزب الحاكم) التنازلات السياسية المطلوبة و المقبولة على الأقل لقياس الرأي العام الأمريكي فيما يختص بالسلام و حقوق الإنسان”.
من جهته توقع د. سليمان بلدو ” ان تقوم ادارة الرئيس ترمب بتمديد الوضع الحالي، نتيجة للعجز البيروقراطي الماثل”.
جاء ذلك في ندوة نظمتها أمانة الاعلام لفرعية حزب “الأمة القومي”، ووافانا بتفاصيلها د. محمد أحمد العمرابي أمين الاعلام بالهيئة التنفيذية العليا لحزب الأمة بأمريكا.
ولفت عبدالرحمن الصديق في ورقته التي قدمها في الندوة إلى ” تحفظ أمريكا في دعم السودان أثناء الديمقراطية الثالثة و ايقافها الدعم المالي تماماً في 1989 بعد انقلاب الجبهة اللإسلاموية تنفيذاً لقرار الكونغرس القاضي بعدم تقديم دعم مالي للحكومات العسكرية التي تزيح حكومات منتخبة”.
وأشار إلى أنه بعد ذلك بدأت سلسلة من العقوبات بعد صدور ثلاثة قرارت رئيسية بسبب سوء تصرف الحكومة:مشيرا إلى أنه في عام 1993 تم “اعتبار السودان دولة راعية للإرهاب الدولي حسب تصنيف الخارجية الأمريكية، وفي عام 1997 تمت “مقاطعة اقتصادية شاملة بقرار رئاسي واعقب ذلك • 2006 DPAAقانون دارفور قرار رئاسي رقم 13412.
وقال “هذه القرارت تبدو بسيطة المظهر لكنها معقدة التنفيذ يصدرها المطبخ الأمريكي بعد المرور بعدة محطات، المباشر منها يتمثل في, التنفيذي/مجلس الأمن الوطني الذي يضم بالإضافة للرئيس و مستشار الأمن الوطني وزيري الخارجية و الدفاع و مفوض الاستخبارات الوطنية، ثم التشريعي بشقيه النواب و الشيوخ، أما غير المباشر فيتمثل في رجال الأعمال، الإعلام و جماعات الضغط، و أخيراً وليس أخراً مراكز البحث و الدراسات الاستراتيجية”.
وأضاف ان قرار الرئيس أوباما بتاريخ 13/1/2016م المعني بالرفع المجدول للعقوبات الاقتصادية الواردة في القرارين الرئاسيين 13067 بتاريخ 3/11/1997 و 13412 بتاريخ 13/10/2006 كان تقديراً من إدارة أوباما بزوال الأسباب التي أدت لإصدار القرارات خلال الستة أشهر السابقة، وتساءل المهندس عبدالرحمن بقوله “هل هذا ملموس للشعب السوداني صاحب المصلحة الحقيقية؟؟.
وقال إن القرارين الصادرين في 1993 و 1997 يتعلقان بالإرهاب، و أن المراقب لتسلسل الأحداث يجد أن حكومة “المؤتمر الوطني” تعاونت في الملف المعلوماتي للإرهاب منذ عام 2000م (و بلهفة تجُب ما قبلها من التغني بأمريكا دنى عذابها) لكن ذات الحكومة أبقت على ممارسة الإرهاب كامل الدسم على المواطن السوداني على طول البلاد و عرضها، وقال في هذا السياق ، “هناك سؤال آخر، ما هو تعريف الحكومة الأمريكية للإرهاب الدولي؟ ، ثم طرح على الحاضرين النص الإنجليزي .
لأنه تعريف قانوني، و ما أنا بقانوني و مع حساسية القانون للمعاني أنقل لكم النص باللغة الإنجليزية كما في المصدر:
involve violent acts or acts dangerous to human life
وقال “أفتكر ازدواج المعيار واضح هنا”.
وتابع “أما ال DPAA و المعني بجرائم دارفور فالمحاسبة في:
DARFUR PEACE AND ACCOUNTABILITY ACT
وأضاف الصديق “إن لم تعني مجرمي حرب دارفور فمن تعني؟، وقال ” أيضاً نجد مخالفات الأمن لحقوق الإنسان بكل ضروبها، العمل العسكري و خصوصاً من قوات (الدعم السريع ) الموالية للحكومة لم يقف تماماً بعد، مع عدم وجود الممرات الآمنة بالنسبة لجنوب كردفان و النيل الأزرق لتوصيل الإغاثات لمحتاجيها، و كلها ملفات ورد ت، في القرار حدوث اختراق إيجابي فيها و الواقع يجزم بغير ذلك و إن كان فبالتأكيد كان عابراً و نريده دائماً.”
وقال إن الشاهد سياسات ( حزب المؤتمر الوطني) لتبييض وجهه أمام الحكومة الأمريكية (و لا يخشى يوم لا ينفع مال ولا بنون في عباد الله من السودانيين) لم تنجح إلا في تنفيذ الملفات التي لا تعني الشعب السوداني في كثير و هي التعاون مع دول الخليج في الحرب الطائفية الدائر رحاها شرقاً وأيضاً التعاون في احتواء نزاعات الجنوب، و كذلك في الملف الذي يعني الاتحاد الأوروبي و هو التعاون في احتواء الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا.
وأضاف “في الساعة الحادية عشر لفترة الرئيس أوباما يبدو أن هناك عدة عوامل أدت للقرار المخالف للواقع، منها الصريح و الآخر المسكوت عنه ، فالصريح ابتداء بالأكثر وزن حسب ما يعني أوباما في تقديري وهي :
- مشكلة جنوب السودان و الرأي الغالب وسط ساسة أمريكا بضرورة تعاون حكومة السودان في هذا الملف
- مجموعات الضغط المجندة من الحكومة و مواليها من رجال الأعمال السودانيين في أمريكا
- مذكرة المائة و عشرين نائبا من الحزبين بقيادة ماكقفرن بتاريخ مايو 2016 لأوباما مطالبة له بضرورة إيجاد حل للمشكلة السودانية و إعمال المقاطعة الذكية قبل نهاية فترته الرئاسية
- وفود رجالات الأعمال و الطرق الصوفية و المجتمع الموالون و المبعوثون من الحكومة بكشف عرض حال يحكي وضع البلاد مع المقاطعة الأمريكية
وقال ” أخيراً و ليس أخراً و هو غير المصرح به فهو ما تفتضيه المصلحة الأمريكية و هو الأرجح (مع التحفظ من طرفي لأني لا أرى فيه مصلحة لأوباما الذي يكتب آخر فقرات سيرته الذاتية)، ورد في شهادة السفير ليمان للجنة الشئون الخارجية للكونغرس 26/4/2017 أن لأمريكا مصلحة في السودان جمدت لأكثر من عشرين عام لن تنقضي إلا برفع العقوبات و لو جزئياً، ذاكراً أن “المؤتمر الوطني” هو المسيطر على البلاد و في أيديه مفاتيح البلاد، وأيضاً تصرح لأحمد سليمان الباحث في Chatham House بلندن لصحيفة القارديان البريطانية:
ماذا يريد أهل السودان؟
وتابع الصديق حديثه أنه “أمام كل هذا، ماذا يريد أهل السودان و ماهي الطموحات السياسية لأصحاب المصلحة في البلاد الشعب السوداني بشقيه الحاكم ممثلاً في المؤتمر الوطني و من لف لفه والمعارضة بشقيها المدني و المسلح، وأضاف أنه على مدى الثمانية والعشرين عاما الماضية أثبت الحكم القائم في البلاد أن إستراتيجيته في الحكم لها ثلاثة أهداف:
- الإستمرار في حكم البلاد بأي ثمن
- إستقلال كل ثروات البلاد و توزيعها على من حوله و هم قد لا يمثلون أكثر من 10% من الشعب السوداني
- إختزال هوية البلاد في” الإسلامو عربية”
وقال في سبيل ذلك نجح ( النظام) على مدى الفترة الزمنية سالفة الذكر مستخدماً ضمن وسائل مختلفة وسيلة فرق تسد/أشغل أعداءك بأنفسهم…إلخ و لذلك رفع العقوبات بدون دفع الإستحقاقات المتفق عليها في خارطة الطريق سيكون سُلم لحكومة المؤتمر يمدهم في طغيانهم يعمهون.
وقال إن المعارضة و هي تمثل الكم الغالب للشعب السوداني تريد سودان عريض يسع الجميع يعمل فيه الكل من أجل السلام العادل و التنمية المتوازنة ، فيه الحاكمية للشعب و الحريات متاحة للكل، لذلك يجب أن يرتبط رفع العقوبات بحزمة من الإجراءات :
- وقف الحروب الدائرة
- فتح ممرات لإغاثة التضررين
- إطلاق صراح معتقلي الرأي
- عدم التعرض للإحتجاج السلمي و كفالة الحريات
- آلية لمراقبة حقوق الإنسان
- التعديلات القانونية
السيناريوهات المحتملة
وقال في هذا الشأن أنه يتضح مما سبق ( ذكره) أن سياسات النظام ما زالت مجافية للواقع الذي افترضه القرار، و بالرغم من ذلك صدر القرار بتنفيذ رفع العقوبات الواردة في القرارين أعلاه مع مراجعة الوضع بعد ستة أشهر و اتخاذ القرار النهائي بموجب تقارير ترفعها أربع جهات حكومية ترأسها وزارة الخارجية الأمريكية و جهة أخرى تضم الناشطين و منظمات المجتمع المدني الموثوق بها، كأن إدارة أوباما أرادت أن تحفز النظام بعربون يكمل أو يسحب حسب أداء النظام خلال الستة أشهر المنتهية في 12 يوليو ( 2017). مع وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض و إدارة ترمب لا تخلو من التخبط إلى يومنا هذا، ويصعب التكهن بمستقبل القرار وكل الاحتمالات واردة، ثم طرح هذه الاحتمالات:
(1) هذا السيناريو يضع في الاعتبار أنه و بنهاية فترة الستة أشهر سيرفع تقرير عن سير و سلوك حكومة (المؤتمر الوطني)، يشترك فيه مع أربعة أطراف حكومية مصادر من الناشطين و منظمات المجتمع المدني. و هناك هجوم مكثف على قرار أوباما من المهتمين بشئون حقوق الإنسان و المسألة السودانية في المجتمع الأمريكي مع عدم وجود نشاط مماثل لمنظمات المجتمع المدني السودانية. إستمرار هذا التكثيف و انضمام العنصر السوداني للمجهود في بيئة تولي اهتماما بالرأي و الرأي الآخر و في وجود عدة أطراف معنية بإتخاذ القرار، تلك المعطيات تعطي فرصة أكبر للإبقاء على العقوبات حتى تقدم حكومة المؤتمر الوطني التنازلات السياسية المطلوبة و مقبولة على الأقل لقياس الرأي العام الأمريكي فيما يختص بالسلام و حقوق الإنسان.
(2) السيناريو الثاني يضع في الإعتبار مستجدات الخلافات في ساحة المعارضة، المستجدات الإقليمية و التقارب العربي الأمريكي، و وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض لها رؤية مختلفة خصوصاً في تصعيد حرب الخليج. و هو ما ذهب إليه ليمان في تقريره للكونغرس و هو أن ترفع العقوبات الواردة في القرارين الرئاسيين حسب قرار أوباما و يُبقى على قرار رعاية الإرهاب الدولي الصادر 1993. أصلاً هذا القرار لم يرد في قرار أوباما و يحتاج لآلية مختلفة و معطيات للإلغاء تبدأ بتوصية من الرئيس و تنتهي بقرار من الكونغرس. في هذا السيناريو يحفز النظام أولاً ثم تستخدم الحزمة الثانية من العقوبات كوسيلة ضغط.
الخلاصة والمقترحات
- الدور الأمريكي مهما تعاظم يظل دورا خارجيا محدود التأثير لن يغير الواقع السوداني.
- طموحات (المؤتمر الوطني) السياسية عالية التكلفة، يجب إجباره على تقديم تنازلات و وصولاً لذلك أقترح على (المهجر) التنسيق مع الداخل لتنشيط و تفعيل العمل المعارض الداخلي.
- تشكيل حضور منظم في الوسط الأمريكي الحكومي و الغير حكومي المعني خصوصاً بحماية حقوق الإنسان بجبهة معارضة موحدة الأهداف و الرؤى؛
- يظل حزب الأمة من خلال جماهيره الأكثر تأثيرا على الساحة السياسية و الأكثر تأثراً بسؤ إدارة دفة حكم البلاد “فليكرب الأحزمة و يستمر في الدور المناط به”.
- نرحب برفع العقوبات عن البلاد لكن بعد دفع إستحقاقاتها حتى تؤتى أُكلها.
حديث دكتور بلدو
أما الدكتور بلدو فاستهل حديثه بتسليط الضوء علي نقطتين بخصوص قرار رفع العقوبات من قبل الادارة الامريكية المنصرمة، الأولى تتمثل في الشروط المطلوبة لتحسين الأداء في خمسة مسارات محددة. وهي:
فتح مسارات الاغاثة و وقف اطلاق النار وتهدئة الاوضاع في جبهات القتال. المسارات الأخرى لها علاقة بالمحيط الاقليمي والدولي وهي المحافظة على مسار السلام وعدم التدخل في جنوب السودان وعدم التعاون مع جيش الرب وتحسين التعاون الاستخباراتي فيما يتعلق بالتعاون في مكافحة الارهاب الدولي.
وقال إنه من الملاحظ ان هناك شرطين فقط يتعلقان بالأوضاع الداخلية في السودان وهما فتح مسارات الاغاثة و وقف اطلاق النار وتهدئة الأوضاع في جبهات القتال أما المسارات الأخرى فلها علاقة بالمحيط الاقليمي والدولي وهي المحافظة على مسار السلام وعدم التدخل في جنوب السودان وعدم التدخل في جيش “الرب” وتحسين التعاون الاستخباراتي فيما يتعلق بالتعاون في مكافحة الارهاب الدولي.
وأضاف أنه ليس من المعروف تماما مدي التعاون ولكن واضح ان الامريكان مبسوطون، بدليل تصريحات قادة جهاز الأمن عن وجود اكبر محطة لوكالة المخابرات الامريكية في السودان واستقبال الملحق العسكري في السفارة، اما ما يعني السودانيين فهو ما يتعلق بأوضاع حقوق الانسان والانتهاكات اليومية التي تحدث للسودانيين ، وايضا موضوع انهاء الصراع بحلول شاملة وليست حلول جزئية كما يفضل النظام في السودان ، كي تعالج جذور المشاكل وتنهي الصراع وتؤدي الى الانتقال الديمقراطي واحترام حقوق الانسان وتعيد السودان الى مكانته كدولة لها شانها في المجال الاقليمي والدولي.
وقال دكتور بلدو إن هذه الشروط التي وضعها الأمر التنفيذي لم تغطي، والبند الثاني من القرار يوجب اصدار تقرير في ظرف ستة اشهر من قبل الاجهزة المعنية في وزارة الخارجية ومجلس الامن القومي ليقيم مدي تنفيذ هذه الشروط وفق المسارات المعنية في الفترة من يناير وحتي يوليو 2017م، ووفقا لمواصلة السودان تحسين اداءه أو لا، يصدر قرار دائم برفع العقوبات عن السودان من قبل الادارة الامريكية.
إدارة ترمب
وأشار الى أنه توجد الآن ادارة جديدة للرئيس ترمب وهي المعنية بإصدار القرار بعد التشاور مع الجهات المعنية في وزارة الخارجية ومجلس الامن القومي باستشارة ايضا منظمات المجتمع المدني، الا ان الادارة الجديدة تعاني من مشاكل شتى، و لم تكمل هياكلها بعد، فمثلا لم يعين حتى الآن رئيس للإدارة الافريقية في مجلس الامن الوطني او في وزارة الخارجية ، من ضمن مئات المواقع الرئيسية الحساسة في كافة الاجهزة بالذات الامنية والمعنية بالسياسة الدولية.و لم تقم ادارة ترمب بملأ هذه المواقع مما نتج عنه عدم وجود عمل فني منظم ليزودها بمعطيات القرار لعدم وجود قيادات تقوم بهذا العمل البيروقراطي التقني،وبالتالي ادراة ترمب ليس لديها المسوغ الموضوعي لاتخاذ القرار المبني علي عمل أجهزة تقدم التوصيات المطلوبة برفع العقوبات او الاستمرار في الوضع الحالي.
وتوقع د. بلدو نتيجة للعجز البيروقراطي الماثل ان تقوم ادارة الرئيس ترمب بتمديد الوضع الحالي. وهو الاستمرار في رفع العقوبات على ضوء الشروط الخمسة ، ومحاولة تكملة المعلومات حول احترام حكومة السودان للالتزامات وتقييم الوضع بالصورة المطلوبة لاحقا.
وقال اذا نظرنا في الواقع، هذه الشروط لم تتم مراعاتها،. فشرط تهدئة الأوضاع على جبهات القتال مثلا في دارفور شهدنا معارك عنيقه جدا تمت وما زالت بين قوات للحركات المسلحة (حركة تحرير السودان جناح مناوي والمجلس الثوري تحديدا) وقوات الدعم السريع وغارات على قري ونهب وسلب وحرق. ودول الاتحاد الاوروبي اليوناميد و الترويكا وامريكا واحدة منها اصدرت بيانا بشأن تجدد المعارك وطالبت باحترام شرط التهدئة في وتيرة العنف.
وأضاف أنه فيما يختص بإيصال الاغاثات قامت الحكومة بشيء سطحي وهو السماح لمنظمات الاغاثة بالتحرك والعمل خارج الخرطوم بمجرد الاخطار لمفوضية الشؤون الانسانية ولا يستلزم اخذ الاذن. هذا كل التنازل الذي تم من قبل الحكومة السودانية.
وقال إنه فيما يتعلق بمناطق جبال النوبة والنيل الأزرق وهي مناطق الحركة فلم يتغير الوضع بشان وصول مواد تموينية او صحية أوغيره من مواد اغاثية بشهادة المواطنين والمنظمات القليلة العاملة في تلك المناطق.
وخلص في هذا السياق إلى أن الشرطين بشان الوضع الداخلي لم يتم الوفاء بهما، ما يعني استمرار القرار بشكله الحالي، الا ان يتم التقييم الموضوعي والمطلوب في خلال الستة اشهر القادمة.
لكنه قال إن ترمب يسعي لترضية السعودية والتي تبذل مجهودات كبيرة وجادة لرفع العقوبات عن السودان، وهو كما هو متوقع، قد لا يخضع للحسابات الموضوعية في التقييم السياسي المعهود، و بالتالي قد يصدر قرار برفع العقوبات بدون النظر الي المتطلبات التي يقيًمها التقرير الفني للأجهزة المختلفة، هذا احتمال وارد، و في كل الحالات القرار يشمل العقوبات الشاملة الاقتصادية او التجارية التي تتعامل بالدولار، مثل قضايا التحاويل المالية والاعتمادات .
وقال إن هذا القرار حتي اذا تم رفعه لا يتعلق بمسالة تصنيف السودان كدولة راعية للارهاب والذي صدر بقرار من الكونغرس.
أما فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي فقال دكتور بلدو إن البنوك يمكنها ان تأتي وتعمل من غير حواجز. ولكن لان القرار مرتبط بشروط وفترة زمنية معينة، لم يلاحظ ان اي من المصارف او الشركات او الجهات المالية العالمية اتت للعمل في السودان من خلال افرع او تجديد لعملياتها.
وأضاف أنه طالما ان هناك عقوبات مفروضة على السودان بموجب تصنيفه كدولة راعية للإرهاب من قبل الكونغرس فلا تستطيع امريكا ان تصوت لإعفاء ديون السودان، والواقع ان هذا مربط الفرس وعين القصيد فيما يسعي له النظام السوداني في الواقع حتى يشهد انفراج اقتصادي ملموس.
وأشار الى أن الوضع الحالي يفترض ان يكون مريحا لان القرار سمح بالتبادل الحر في الدولار باي صورة كانت ممنوعة قبلا، ولكن لم نر تدافع للشركات والبنوك الوسيطة او العالمية للدخول للسودان والعمل في السودان، والسبب لذلك لان السودان فيه بيئة غير صحية للاستثمار الاجنبي بسبب تفشي الفساد وحمايته من قبل قمة السلطة. فظروف العمل الاقتصادي المنتج فيه غير مواتية لانتشار الفساد وعدم وجود سياسات واضحة وعند وجودها لا تنفذ على ارض الواقع، ايضا سيادة حكم القانون لا توجد في اي مجال من مجالات الاستثمار الاجنبي في حالة النزاع أوالتحكيم او حتى حقوق الانسان او حقوق الافراد في ملكية الارض التي توزع يمنة ويسرة على حلفاء النظام ومحاسيبه.
كما أشار الى عجز الموازنة في الاداء الداخلي او التجارة الخارجية، وقال إنه ناتج بشكل مباشر عن الفساد. وتفسير ذلك أن ميزانية النظام منذ ان اتي في عام 1989 تخصص اكثر من 70% للأجهزة الامنية والعسكرية. عندما تنظر للميزانية تجد ان بند المصروفات يذهب الى مرتبات وادوات مكتبية وأثاثات وخلافه.
وقال إنه عندما تنظر للموازنة لا يوجد بند دخل ما عدا جباية مصلحة الجمارك. ولكن لا تتضمن دخل من اي من الاجهزة الامنية والعسكرية، مع العلم مثلا فان مصانع انتاج الاسلحة في السودان تحتل المرتبة الثالثة في افريقيا بعد مصر وجنوب افريقيا، ولكن دخلها غير معروف من عائد مبيعاتها، و هناك اكثر من 500 شركة مملوكة للأمن والداخلية و الدفاع ترفض ان تخضع للمراجعة القانونية و تتحصل على اعفاء من الضرائب والجمارك. وهي تنافس في السوق حتي رجال الاعمال السودانيين وراس المال الوطني فكيف يمكن لراس المال السوداني ان يعمل في نثل هذا الجو، ناهيك عن للشركات الاجنبية ان تعمل بصورة حقيقية في وضع شاذ ووسط غريب مثل هذا.
وأشار إلى أن الواضح أن هذا الدخل الذي يأتي من الأجهزة الامنية والشركات الحكومية يذهب الي “التجنيب” وللمصروفات الأمنية والعسكرية و شراء الذمم والمخبرين والسرقات الفردية والجماعية، و مثلا عملية تجنيد 17 الف مجند لقوات (الدعم السريع )خلال شهر مايو المنصرم لابد انها ذات تكلفة عالية ولا تظهر في الموازنة العامة، مما يشئ على وجود ميزانية خفية اكبر من الميزانية السنوية المنشورة و المجازة من قبل البرلمان.
وأضاف “مهما حدث لن يغير شيئاً في الوضع الاقتصادي او يحسن منه، حتى لو تم رفع العقوبات كدولة راعية للارهاب لن يغير من واقع الأزمة الاقتصادية نتيجة للشلل الهيكلي الذي لحق بالقطاعات الاقتصادية فاصبحت طبيعته مختلة”.
مشروع ايديولوجي
وقال إن النظام اتي كمشروع ايديولوجي مدفوع بمشروع فكري وديني لدولة سودانية في المجتمع الجديد، وخصص في بدايته اموالا لتمكين نفسه من السلطة وتنفيذ مشروعه الحضاري عبر جيوب لنهب المال العام، من مثل منظمات وشركات الاغاثة الاسلامية التابعة له، هذا المشروع تغير في طبيعته فاصبح كل المال (المجنب) والمعفي من الضرائب والجمارك يذهب لجيوب خاصة لأفراد ومجموعات في قلب السلطة، وهؤلاء لن يتنازلوا عن المال وبالتالي لن تتغير ملامح الازمة الاقتصادية، والشاهد على ذلك تصريحات وزير المالية الجديد ،وهو اول وزير يأتي من المؤسسة العسكرية، التي أقر فيها بوجود عجز في الموازنة يجب ان يغطي من فرض ضرائب على الأنشطة غير المشروعة، وذلك بدلا من اقتراح مثلا ايقاف الاعفاءات الجمركية والضرائبية للشركات الحكومية ، وذلك لان مصلحة النظام في استمرار هذه الممارسات لدر المال الذي يمول عملياتهم في حماية النظام من خلال الصرف على المليشيات ودفع اموال طائلة لشركات المناصرة (Lobby) وفتح مكاتب خارجية وعمليات التجسس على انشطة المعارضة ونشطاء المجتمع المدني.
وقال في الختام ان رفع العقوبات حتي لو تم بصورة شاملة لن يؤدي الى تحسين الاداء الاقتصادي وذلك لموضوع تفشي الفساد الشامل”.
وردا على سؤال حول وجود بدائل للنظام فيما يتعلق بالتحويلات وغيرها من بنود المقاطعة أوضح د. بلدو ان النظام التف حول العقوبات عبر طرق واساليب عملية مختلفة بفاعلية وكفاءة , مثلا تحويل عملة التبادل النقدي الى الين او اليورو، انشاء شركات واجهات في دبي والخليج بأسماء افراد سودانيين قد يحملون جنسيات اخري، واقناع بنوك اوروبية واقليمية في التعامل معه، وبالتالي استطاع كسر حدتها واثرها على النظام ولم يكن معني اطلاقا بأثرها على المواطن السوداني والخدمات الاساسية ومعيشته وامنه وامانه.
و فيما يختص بالتأثير علي القرار الامريكي، قال إن الواجب ان ينظم الناس انفسهم لإيصال صوتهم لصاحب القرار والرأي العام الدولي في امريكا واوروبا وعكس حقيقة الاوضاع المزرية لحقوق الانسان والوضع الصحي المتدهور من تفشي لأمراض يمكن السيطرة عليها كالكوليرا، وقال إن هناك ضعفا واضحا وعدم وجود عمل منظم وفعال لإيصال صوت المواطن السوداني من قبل قوي التغيير والمعارضة السودانية للتأثير علي الراي العام العالمي.
*عبدالرحمن الصديق مهندس مدني متخصص في المياه والبيئة، درس في أميركا وهولندا وعمل في شركات خاصة وعامة في السودان وأميركا، وهو عضو في لجنة واشنطن وعضو المؤتمر العام لحزب الأمة القومي بأميركا وعضو المكتب السياسي لحزب الأمة القومي.
*د. سليمان بلدو أكاديمي وأستاذ جامعي ، عمل بتدريس اللغة الفرنسية بجامعة الخرطوم،ونتيجة لأوضاع الجفاف والتصحر والمجاعة عمل في منظمات إغاثية ، ثم في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية في عدد من المنظمات العالمية ، ويعمل خبيرا غير متفرغ للأمم المتحدة.