الأمسية الثانية لمهرجان الشعر العربي بالخرطوم تصدح بالصور الشعرية المتنوعة

الأمسية الثانية لمهرجان الشعر العربي بالخرطوم تصدح بالصور الشعرية المتنوعة
  • 25 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

الخرطوم - التحرير :


فيصل محمد صالح: كنت شاعراً ولكن نضب معيني من الشعر

متابعة وقراءة: محمد إسماعيل

حظيت الأمسية الثانية لمهرجان بيت الشعر العربي الذي ينظمه “بيت الشعر” بالخرطوم بحضور وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح ووفد من الشارقة يتقدمه رئيس دائرة الثقافةعبد الله العويس ، ومدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة محمد إبراهيم القصير، ومدير بيت الشعر محمد البريكي بالشارقة، والأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون الشاعر عالم عباس محمد نور، وضيوف المهرجان من الدول الصديقة والشقيقة الشعراء: الدكتور علاء جانب من مصر، والشاعرة قمر صبري الجاسم من سورية، وعبد اللطيف بن يوسف من المملكة العربية السعودية، والشاعر محمد الامين جوب من السنيغال.

فيصل محمد صالح

وشهد الأمسية جمهور كبير من الكتاب والمثقفين والأدباء ومحبو الشعر، إلى جانب تغطية متميزة من أجهزة الإعلام المختلفة.

خاطب وزير الثقافة والإعلام جمهور الأمسية، محيياً ضيوف البلاد ووفد الشارقة، وأثنى على جهود صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في الإحياء الثقافي بالوطن العربي، ممتدحا سموه ووصفه بالمثقف الحقيقي، وهو يمد يده بمبادراته المختلفة ليفتح المجال للثقافة بكل دروها، في الشعر والمسرح وكل ضروب الفن والأدب والإبداع.

وحيّا “بيت الشعر” بالخرطوم، والقائمين على أمره برئاسة مديره الدكتور الصديق عمر الصديق، وفريقه والشعراء والأدباء السودانيين الذين جعلوا من هذا المهرجان ساحة للفن والأدب بحضورهم البهي الأنيق، ولتلك الأصوات الشعرية التي “استمعنا إليها والتي أعطتنا مؤشرات بأن الشعر حىّ وباق كما بقي الشعراء وجادت قرائحهم”.

وأضاف صالح أنه كان يكتب الشعر ولكنه :”لقد نضب معيني منه”، وقال: “إن الشعراء السودانيين ظلوا على مر التاريخ ضمير الأمة والمعبرين عنها، وعن تطلعاتها، وقد تربينا على الشعر، وهو أقرب أدوات التغيير ومؤثر جداً في الشعب السوداني، وأقرب لوجدانه، ومعبر عنه”.

وأضاف أنه قد أشفق على الشعر “بعد أن شهد السودان انفجاراً للرواية والقصة في السنوات الآخيرة، إلا إن الشعر أثبت أنه بخير، وقد وضح ذلك جلياً من خلال ثورة ديسمبر المجيدة، التي كان الشعر حاديها مرتبطاً بها من خلال الأشعار التي ألهبت الحماس لدى الشعب المتطلع للتغيير”.

وقال وزير الثقافة: “ما استمعنا إليه اليوم من شعر وهذا الجمهور المحب للشعر يجعلنا مطمئنين على الشعر في السودان، وأن هذا الشعب المبدع ما فتئ يخرج وينتج الشعراء المبدعين”.

وفي ختام كلمته وجه وزير الثقافة الدعوة لدائرة الثقافة بالشارقة وبيت الشعر للمشاركة في فعاليات مدينة بورتسودان عاصمة الثقافة العربية، التي من المزمع ان تبدأ فعالياتها من ديسمبر المقبل حتي مارس القادم.

الشعر والعرفان
كان قبلها قد اعتلى منصة الشعر نخبة من الشعراء، صنعوا عالماً من الجغرافيا الشعرية المختلفة والمتنوعة المشارب والتجارب، ابتدر الأمسية الشاعر محمد عبد القادر المكي معتلياً منصة الشعر، فقرأ أشعاره من ذاكرة شعره “مرايا” مقدماً شعراً شفيفاً تنفس فيه روح التصوف والعرفان شعراً رصيناً قوي العبارات له من الإحالات الوجدانية ما يثير قريحة الخيال لدي المتلقي.

قمر وياسمين
بعده كانت سورية حاضرة من الجولان الى إدلب من حلب إلى دمشق من اللاذقية حتي حمص وحماة عندما قرأت الشاعرة السورية قمر صبري الجاسم، وكانت القاعة تشم عبير الياسمين، مدينة الياسمين وهي دمشق، لكثرة أشجار الياسمين في أحيائها فأصبحت رائحة الياسمين تفوح كلما قرأت قمر بيتا من أشعارها، كما قال عنها أحمد شوقي:
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعرفة اليراعة والقوافي
جلال الرزء عن وصف يدق
حلقت قمر بشعرها الشفيف بالحضور، وتكاد تلمح من صورها الشعرية حقل الياسمين المتوج على الشبابيك، وعلى حافة القلوب التي تؤمن ألا وطن خارج تفاصيل البياض في ياسمينة يضعها السوري على شباكه كتميمة تقيه من الحسد، كما انحازت قمر للنوع انحيازاً إيجابياً؛ مؤكدة أن للمرأة العربية قضية تستحق أن تعبر عنها الشاعرة بكل تحد وصلابة.

المزج بين القديم والحديث
ثم اعتلي المنصة الشاعر أسامة تاج السر وهو شاعر وناقد قدم تجربة مميزة فى الدرس الأدبي، قرأ أسامة أبياتاً مازج فيها بين الحداثة والأصالة، وتميز هذا المزج بأخيلة ومسارات شعرية تواقة للحرية وللحق وللجمال معبراً عن قيم إنسانية مختلفة.

الحلم والواقع
اما أنس عبد الصمد فقد عبر فعلياً عن جيله وواقعه بمجموعة من الأشعار، وكان لكل نص شعري معجمه الخاص الذي يعتمد على هيمنة لفظة معينة،كما قال الناقد (محمد مفتاح) (اننا اذا ما وجدنا نصاً ولم نستطع تحديد هويته بادئ الأمر، فإن مرشدنا إلى تلك الهوية هو المعجم الخاص به).

وإننا عند الدخول في عملية استقصاء لثيمة النص الشعري وآليات انتظامه بما تحتويه من عناصر إشارية، وحين ندخل نسيج النص ونتجول عبره نكشف عن سمة دلالية يريد الشاعر توصيلها، وهي ابتعاده عن عالم الواقع بكل ما يحمله من ثقل، وبث الإشارات الرمزية في المفردات الدالة على توترات وتناقضات الصور، والجمع بين الموجود والآخر عبر تقابلية تؤطرها التضادات المتولدة بين الحقيقة والخيال البديل من خلال رؤية تتجاوز الافق الضيق للواقع و تسعي إلى احتواء إشكاليات الواقع بلأحلام، هذا ما كانت تقوله اشعار انس عبد الصمد.

اتوجرافيا صعقت القاعة
صدم عادل سعد يوسف القاعة بحالة من الصعق وهو يتلو نصه “الاتوجرافي”، وظل الرهاب ساكناًفترة بسبب اللغة العالية المحلقة الكثيفة في قصيدة نثر بامتياز، وليست بقصيدة يكتبها البعض على الرصيف بإدعاء ان النص النثري ليس معني وإنما ركاماً لغوياً مبعثراً عليك استنباط المعني من جوفه.
النص عند عادل سعد مختلف، فهو قصة وباب سرد والشعرية العالية ايضا باب قول وحكي ناهيك عن الصور الشعرية ،وذلك الإيقاع الداخلي لتلك القصيدة التي تلاها من المنصة.
عادل سعد يقول دائما انا لست بشاعر كبير، وانما انا محاول ادبي. وسعد يبدو انه لا يكل من التجريب في بحثه عن الافضل.

طاقات جمالية ورؤي
أما محمد عمر عبد القادر فحلق برمانسية شعرية وخيالات مفعمة بالبديع المتجدد من شعره، وتتميز اشعاره بالصور المعبرة، وهي إحدى البنيات الإبداعية والطاقات الجمالية في عملية الخلق الشعري، وهي روح الشعر، وأنفاسه المتلاحقة التي يبوح بها الشاعر من خلال النص.

ويرتبط أسلوب الشاعر ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرته على الابتكار والتجديد في لغته الشعرية وصوره أيضاً؛ فالصورة الشعرية هي رسم قوامة الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطف، ونجح محمد عمر عبد القادر في ايصال هذا المفهوم عبر اشعاره.

الحكمة الأفريقية والتناص

وختام الامسية كان “جوب” الذي طال انتظاره، محمد الامين جوب من السنغال، وقد حضر من مطار الخرطوم الى منصة الشعر بالقاعة،وقدم بستاناً شعرياً جديداً. شعر عمودي بقافية في قالب حداثي من الأفكار الشعرية المطروحة فيه، ويشغل بوب على ما يبدو “التناص الشعري” بشكل كثيف.
ومحمد الامين جاء من السنغال يحمل في جرابه الحكمة الإفريقية وأثر الثقافة الاسلامية واللغة العربية واضحاً في تأثره بالتناص مع النص القرآني، والتناص مع المأثور من القول.

التعليقات مغلقة.