بعد أن ثبت أن الفن بمعناه (المترهِّل) ومضامينهُ المشبوهة في عهد الإنقاذ البائس ، لم يكن إلا دثاراً يخفي ذات الوجه القبيح لأساليب النظام البائد في (تزكية) و(تأهيل) من إنعدم فيهم ضمير الإنتماء للأمة وآلامها وقضاياها التي تجاوزت حد الإلحاح وصُنفت عند المراقبين حداً فاصلاً بين الحياة والفناء ، وأنهُ أيي الفن لم يفُت على طُغمة الطغيان إستغلالهُ عبر أنصاف الموهوبين وأشباه المبدعين لوأد كل أمل في أن يكون للإبداع الحقيقي صوتٌ ماثل ومسموع يعمل على إيقاظ الأمة من سُباتها ، حينها فقط وبعد ما ثبت إنتماء الكثير من المطربين والممثلين ومبدعين آخرين في قطاعات كثيرة إلى جهاز الأمن والمخابرات الوطني (بمواصفات وإختصاصات عهد الإنقاذ الجائر الظلوم) ، إستطعتُ أن إستوعب وأُفسِّر ما كان يدور بخاطري من (مُبهمات) حول الفن والإبداع وصانعيه في الثلاثين عاماً التي مضت عجافاً بلا إضافة ولا تجديد ولا تطوَّر في هذا المضمار ،
كنت أستغرب محاربة الأجهزة الإعلامية والجهات الرسمية المسئولة عن الثقافة والفنون والحراك الإبداعي لكل فنٍ نبيل ومبدعٍ نزيه وصادق ، كان المبدعون الحقيقيون مقصيين ومُشرَّدين ومحرومين من الظهور ونشر أعمالهم وإبداعاتهم ، لا لشيء غير كونهم (تشبثوا) بمبادئهم وكرامتهم وكبريائهم وأصَّروا على التمسُك بمبدأ أن الفن والإبداع لا يُباع ولا يُشترى ، فأصبحت شاشات الفضائيات والإذاعات في غفلةٍ من الزمان (مرتعاً) خصباً لإستمراء ترديد وإرتجاع إبداعات الحقبة الذهبية في تاريخ الفن السوداني ،
وإرتفعت أصوات ومشاهد سافرة لأعمال فنية تمُجِّد النظام وتوجهاته وتعاضد هتافاته المهرجانية التي طالما إستهدفت تغييب هذا الشعب المغلوب على أمره عن واقعه المرير والإلتفات إلى قضيته الأساسية ومُناهضة عدوهُ المُستِتر في ثوب النظام الحاكم ، حتى الفن الصادق النزيه إستكثرتهُ الإنقاذ على ضمير الأمة السودانية .. اللهم لا إعتراض على أمرك.
وزراة الثقافة والإعلام والسياحة بولاية الخرطوم أقامت أول أمس إحتفالية تضمنَّت تكريماً لشهداء ثورة ديسمبر المباركة ، وبالطبع إحتوى الحضور على أسر الشهداء ومُحبيهم وحُراس الثورة من شابات وشباب بلادي الشرفاء ،
وعندما أعلنت مذيعة الحفل عن قدوم ممثل قوات الدعم السريع ، عم الهرج والمرج والهتاف والإعتراض على وجود ممثل للدعم السريع في الحفل ، للحد الذي أدى إلى إلغائه بعد إعتذار فرقة عقد الجلاد عن المشاركة وإعتلاء المسرح ، وبغض النظر عن الرؤية المنطقية التي تجبرنا على قبول أن أمر إتهام الدعم السريع بالمشاركة في مجذرة فض الإعتصام هو (إستباق) لنتائج لجنة التحقيق الأخيرة التي ما زالت تعمل في الأمر ، إلا أن في الحدث (إشراقة) مُطمئنة تتمثَّل في كون هذه الثورة ما زالت (محروسة) بإصرار وعزيمة شاباتها وشبابها والتي على يبدو لن (تهدأ) ولن (ترضى) بغير القصاص للشهداء .. ما حدث كان رسالةً قوية ومُعبِّرة لكل الذين (يحلمون) بأن يعود هذا الشعب إلى زنزانة النسيان.