بالامس الخميس اجاز الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة و الوزراء قانون تفكيك نظام الانقاذ لعام ٢٠١٩ ، الذي جاء في خمسة فصول احتوت على احدي عشرة مادة، وهو القانون الذي انتظره الشعب السوداني طويلاً؛ لكي يرى تفكيكاً حقيقياً وقانونياً للنظام الذي ولد من رحم الدولة وتغذى من دمها ودماء السودانيين، وكان حزبه أسوا نموذج للحزب السياسي عبر تاريخ السودان.
مبكراً وفي المادة الثانية ورد النص التالي (تسود أحكام هذا القانون وتعلو نصوصه عند التعارض على أي قانون آخر)، وهذا النص بالتأكيد أعطى هذا القانون القوة الثورية التي يتوقعها الجميع والتي تمنحه القوة على تفكيك التمكين بطريقة حقيقية، ولم يتوقف القانون هنا، بل واصل في الفصل الرابع في المادة الحادية عشرة حيث نص على ( لا يخول الطعن في اي تدبير صادر بموجب هذا القانون لأي سلطة قضائية أن توقف أو تأمر بوقف تنفيذ ما يصدر عن أجهزته ما لم يتقرر بطلان التدبير قضائياً) ، وهكذا أصبح لهذا القانون قوة قانونية جبارة ونافذة لا يتوقع أن يقف أمامها قانون او طعن ، وهو بالضبط ما يعجل بتفكيك سيطرة الكيزان على كل المؤسسات والشركات والأجهزة الحكومية.
في الفصل الثاني في المادة الرابعة أقر القانون تكوين لجنة تفكيك نظام الانقاذ، يقودها ممثل من المجلس السيادي ونائبه من مجلس الوزراء وفيها عدد من الوزراء وممثلين لجهاز الأمن وبنك السودان، وهو تكوين لا بأس به، ولكنه بكل تأكيد يحتاج تحته إلى لجان متعددة تقوم بتنفيذ العمل الفعلي لهذه اللجنة، فالسادة الوزراء لهم مهام كثيرة ومتعددة وقد يتعارض عملهم في مهامهم الأخرى مع القيام بدورهم الكامل في تنفيذ هذا القانون، وهذا يستدعي ان تنبثق عن هذه اللجنة لجان أخرى تختص بالعمل اليومي المستمر المتجه فقط نحو تفكيك التمكين، وفي هذا يمكن أن تكون لجان قانونية، ولجان مالية، ولجان وظائف، ولجان ولائية الخ .
في الفصل الثالث حملت المادة السادسة أهم قرار بالنسبة للجماهير وهو النص الواضح و الصريح على حل حزب المؤتمر الوطني وحذفه من سجل الأحزاب والتنظيمات السياسية. استغربت حين طالعت تصريحات من البعض بأن القانون لمح فقط ولم يعلن حل الحزب، وأعتقد انهم فهموا خطأ لأنهم اطلعوا فقط على المادة السادسة في الفصل الثالث التي قالت (يحل الحزب) و لم تذكر اسم المؤتمر الوطني، و لم يطلعوا على الفصل الأول بدقة حيث بينت المادة الثالثة فيه معنى (الحزب) بأن (الحزب) في هذا القانون يقصد به حزب المؤتمر الوطني المسجل بجمهورية السودان. وبالتالي فإن قانون تفكيك نظام الانقاذ قد أشار مباشرة بوضوح وليس بالتلميح لحل حزب المؤتمر الوطني وحذفه من سجل الأحزاب السياسية.
لم يتوقف القانون عند حل الحزب فقط بل اعلن بوضوح مصادرة كل ممتلكات و اصول الحزب لصالح حكومة السودان ، كما قرر القانون بوضوح العزل السياسي بحق رموز نظام الانقاذ و حزب المؤتمر الوطني و ذلك بمنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشرة سنوات . و هنا لابد من استيضاح هذا القانون حول النص المتعلق بالعزل السياسي لرموز نظام الانقاذ هل هذا يعني كل السياسيين الذين كانوا رموزا في أي عهد من عهود الانقاذ ام فقط العهد الاخير حين سقط النظام؟ وبالطبع اذا كان المقصود كل العهود فان هذا العزل السياسي بالتأكيد سيشمل قيادات مثل غازي صلاح الدين وعلي الحاج وإبراهيم السنوسي وغندور وقائمة طويلة من قيادات سياسية إنقاذية سيطرت سياسياً في عهود مختلفة أثناء مسيرة نظام الانقاذ.
المادة التاسعة من القانون اختصت بحل وإلغاء النقابات و الاتحادات المهنية، وأشارت بوضوح إلى إعطاء مسجل تنظيمات العمل حق إلغاء تسجيل نقابة المحامين السودانيين وتعيين نقيب جديد للمحامين ولجنة تنفيذية للمحامين ويبدو أن هذا القرار قصد بلا شك القفز فوق حقيقة أن التجمع الديمقراطي للمحامين شارك في انتخابات هذه النقابة وخسر بغض عن النظر عن الطريقة التي خسر بها، ورغم أن الطبيعي حل هذه النقابة لانتمائها الصريح للانقاذ الا ان النص عليها بهذا الشكل و بالاسم دون بقية النقابات يفضح التجمع الديمقراطي للمحامين ليس إلا، و يؤكد أن القانونيين الذين قاموا بصياغة هذا القانون ارادوا من هذا النص الصريح الانتصار لأنفسهم، إذ إن موقف كل النقابات موحد وينص عليه بقرار واحد وعام بلا تخصيص.
القانون بكل تأكيد يلبي حاجة الجماهير المتعطشة إلى حل حزب المؤتمر الوطني وعزل قياداته سياسياً جزاءً وفاقاً لما اغترفوه من جرائم في حق هذا الشعب الطيب، ويفتح الباب لمرحلة تفكيك قانونية سوف تقضي بقوة القانون على كامل إرث حزب المؤتمر الوطني المشبوه.
sondy25@gmail.com