تنفس الشرفاء من أهل السودان الصعداء بعد صدور قانون “تفكيك نظام الإنقاذ”، بحل حزب المؤتمر الوطني الذي ظل قابضاً على مفاصل الدولة، كأنها ملك خاص، لا يشاركه فيه أحد، إلا بعض الأحزاب الديكورية، التي عمقت أزمة النظام البائد بفساد يسير به الركبان في العالم أجمع.
وشمل القانون مصادرة أموال الحزب، وتعليق النشاط
السياسي لرموزه، ويشعر كثيرون أيضاً أن هذا القانون تأخر إلى حد كبير، وهذا ما
أتاح المجال للحزب في طمس كثير من معالم جريمته في نهب المال العام.
كما تهيأت الفرصة لبعض رموز النظام ليمارسوا البجاحة،
ويخططوا لإعادة الحياة لحزب اختطف البلد سنوات طويلة، وأوجد شبكة من المصالح،
صادرت حق الآخرين في المنافسة على الوظائف العامة، ونهبت المال العام، وأثرت من
هذا النهب، واستغلته في محاولة تغييب الوعي بالسيطرة على الإعلام، وتوظيفه في خدمة
مصالحها.
كما أسهمت هذه
الشبكة في إفساد الأخلاق، وممارسة شراء الذمم، وإماتة الضمائر، حتى أوجدت فئة
تقتات من فتاتها، وتدور في فلكها، في إهانة واضحة لإنسانيتها، واستغلال لحاجتها،
وإن ظلت الأغلبية تقاوم هذا النظام الفاسد، وتعض بالنواجز على منظومة القيم
السودانية، التي تكسب الإنسان السوداني خصوصيته وأسباب تميزه بين الأمم.
وتجسيداً لمقولة:
“اللي اختشوا ماتوا” خرج علينا المؤتمر الوطني المنحل ببيان يصف فيه القانون بأنه “عمل انتقامي”، معلناً تمسكه
بحقه في ممارسه نشاطه السياسي”، وقد تابعنا في الأيام الماضية تحديات أحد
رموز النظام وأقصد إبراهيم غندور، وتأكيده أن الحزب باق، لأن الفكرة باقية، وهو
باق من أجل الوطن والدين.
ويلاحظ هنا استمرار من أحالوا بلداً واعداً مثل السودان إلى دولة فاشلة في ترديد شعارات بالية عن الوطن، الذي هجّروا كثيراً من أبنائه حتى ضاقت بهم المنافي، وهم قد ادعوا حين حكموه بأنه “سيأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع”، بينما الواقع يوضح أن أكبر مشروع زراعي وهو مشروع الجزيرة أصبح قاعاً صفصفاً، وأُغلقت المصانع بالضبة والمفتاح، وتشرد عمالها، لينهب أهل الإنقاذ ما شاء لهم باستيراد أبسط الأشياء، ونيل العمولات، وخلق شبكة مع الفاسدين في أرض الله الواسعة.
ويتبجح
غندور وغيره من رموز النظام البائد بإقحام الدين في رسائل الاستجداء والاستمالة، في
إصرار واضح على استغلال الدين، على الرغم من سقوط مشروعهم الحضاري، الذي أثبتت السنوات
أنه مشروع إقصائي، ملامحه النهم في أكل المال الحرام، والانغماس في ملذات الحياة،
حتى قال د.حسن الترابي إنهم أدخلوا الناس في المساجد، وذهبوا هم إلى السوق.
والواقع
يقول بصدق الترابي فيما يتعلق بنهم أهل السلطة البائدة، وإحكامهم القبضة على مفاصل
الاقتصاد، ومصادرتهم ثروات البلد، بينما يجافي قوله الحقيقة فيما يتعلق بإدخالهم
الناس في المساجد، لأن أهل السودان لم يفارقوها منذ أن دخلوا في دين الله أفواجاً.
ويبدي
الحزب المنحل تحدياً للقانون بقوله في بيانه: “صمتنا على هذه الأعمال
العدوانية وهذا الالتفاف على الحريات بإصدار القوانين السياسية لا يُسقط حق
المؤتمر الوطني في ممارسة الحياة السياسية التي تكفلها الشرائع والقوانين الوطنية
والدولية”.
وأعتقد
أن التأخير في إصدار قرارات ثورية بسبب تلكوء المجلس العسكري الانتقالي هو ما أعطى
الحزب المنحل الأمل في أن يلملم أطرافه ليعود إلى واجهة الحياة، وخصوصاً أنه يملك
المال الذي يتيح له الأفضلية في أي نزال انتخابي.
إن
قانون تفكيك الدولة العميقة، وهدم أنظمته وقوانينه السيئة السمعة مثل قانون النظام
العام، الذي كان سيفاً مسلطاً على الرقاب، وأداة للإذلال والإهانة، يمثلان سيراً
في الاتجاه الصحيح، من أجل القضاء على الدولة العميقة، وإفساد مخططاتها، وترسيخ
دولة القانون، ومجتمع “الحرية والسلام والعدالة”، واستشراف المستقبل
بخطى واثقة.
المطلوب
الآن الإسراع في تطبيق القانون ومصادرة أملاك حزب النظام البائد، ووضع كل من أسهم
في الفساد والإفساد في المكان الذي يليق به، وهو خلف القضبان ذليلاً مدحوراً.
وختاماً
نقول إن توافق مجلس السيادة ومجلس الوزراء على إصدار قانون تفكيك نظام الإنقاذ
وإلغاء قانون النظام العام يبرز تناغماً تحتاج إليه البلاد من أجل تجاوز تحديات
الفترة الانتقالية، وما أكثرها.