ظل “النفير” قيمة اجتماعية واقتصادية وحضارية عالية، تشكل مقياساً حقيقياً لتفاعل الفرد مع المجتمع في الاستجابة لمتطلبات الحياة… وبذكر “النفير” أس القطاع الثالث، تبرز الأفعال الجماعية في دعم الفرد بطريقة أبرز في حركة البناء والزراعة والأفراح والاتراح وتبين مدى التماسك بين أفراد المجتمع الواحد، وهي إحدى خصائص المجتمع السوداني التي لم تخضع للدراسة بشكل جاد وتوجيهها لبناء المستقبل، رغم أن التماسك يعد أمراً عظيم الشأن كمصدر للقوة والمقاومة.
الكثير من حكاوي تكافل السودانيين تتناقل في الخارج، بينها حكاية تقول إن زائراً لمستشفى في دولة عربية طلب منه مريضاً سودانياً أن “يناول” وصفته الطبية “الروشيته” لأي سوداني يجده أمامه خارج المستشفى، وبالفعل كان العلاج أمام المريض في لحظات مما أثار تساؤل الزائر ومن معه، وقد عرفوا أن ذلك التكافل من طبيعة أهل السودان “بدون تكلف”.
“عديل المداس” كانت من الأعمال التطوعية عالية القيمة التي قادها الفنان طارق الأمين ومجموعة من الشباب والشابات وبمقدرات مالية متواضعة وإيمان عالٍ بقيم حب الوطن في نفير لتعديل أوضاع بعض مباني المدرس على امتداد الوطن.
في المقابل، تشهد كثير من المجتمعات حولنا عزوفا عن الجماعية خضوعا للحداثة، فغابت الأسرة الممتدة التي تأنس بوجود ثلاثة أجيال داخل بيت واحد، لتتحول إلى “أسر نانوية” تتكون من الزوج والزوجة وطفل أو اثنين.
يؤكد عدد من العلماء، ومنهم الخبير بمنظمة التعاون والتنمية الدكتور يوهانس جوتين أن المجتمع الذي يتمتع بروابط قوية يميل إلى الاستقرار، ويتمتع بقدرة على مواجهة الأزمات سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو مجتمعية، لقد آن الأوان للاستثمار في التماسك الاجتماعي المعزز لموارد الدول، إذن هو إرث ينبغي المحافظة عليه وتطويره، مثله مثل كثير من المكتسبات الطبيعية والثقافية التي تمثل ثروة وطنية عالية القيمة آن الأوان للاهتمام بها لصالح المواطن.
إن ترميم الهدم الممنهج طوال 30 عاما يحتاج لأعمال “نفير” بمشاركة جميع أفراد المجتمع لتصحيح الأوضاع وإخراج البلد من حالة الكبوة… وهو عمل كبير يمكن أن تقود برمجته لجان المقاومة وسط الأحياء، كونها الأكثر قرباً من الحراك اليومي وآمال وتطلعات الناس… وفي ذات الوقت تهدئة روع الأسر من تجييش الأخبار السالبة، والدعوة للعودة إلى الشوارع رغم وجود حكومة جاءت بأمر الجماهير وتسير وفق مصالح الناس.