يزور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك هذه الأيام الولايات المتحدة الأمريكية في معية عدد من الوزراء ، و سيكون من أهم اهداف هذه الزيارة النقاش مع الجانب الأميركي حول رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، و هي القائمة التي يقبع فيها السودان منذ عام ١٩٩٣ . و قد فشلت في اخراجه منها كل محاولات النظام السابق و كل حيله و ألاعيبه منذ تسليم الارهابي كارلوس لفرنسا في عام ١٩٩٤، مرورا باتفاقية السلام الشامل في ٢٠٠٥ و استفتاء انفصال الجنوب في ٢٠١١ و حتى مرحلة الحوار الوطني في ٢٠١٧ ، إذ ظلت هذه القائمة سيف مسلط على حكومة البشير و أحد أهم أسباب عزلتها العالمية و خاصة في الجوانب الاقتصادية .
دخول السودان لهذه القائمة كان بفعل حكومة البشير ، و بسقوط حكومة البشير بواسطة ثورة ديسمبر انتفى السبب ، و أصبح بقاء السودان ضمن هذه القائمة لا يسنده عقل و لا منطق، و سينظر إليه كأنه عقاب من أمريكا رائدة الديمقراطية و الحريات لشعب ثار من أجل الديمقراطية و الحرية .
مساعد وزير الخارجية الأميركي للشئون الإفريقية تيبور ناجي سئل عن موقف أمريكا غير المنسجم مع حقيقة ثورة شعبية لفتت انتباه العالم الحر باجمعه و مازالت أمريكا تعاملها بالعقوبات ، فحاول تبرير وجود السودان في القائمة حتى الآن قائلا ( الولايات المتحدة لم تعد في خصومة مع حكومة السودان و باتت تعتبرها شريكة ، إلا أن عملية رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب عملية إجرائية ، و نحن نتحاور بشكل مكثف و متواصل مع السودانيين بخصوص كيفية الشروع في ذلك ).
تصريح مساعد وزير الخارجية الامريكي للشئون الإفريقية أوضح أن نظرة أمريكا للسودان تغيرت ، و أن الخطوات تمضي في اتجاه الشراكة، و من هنا يتضح أن زيارة حمدوك لأميركا هي جزء من عملية الشروع في العملية الإجرائية لإزالة اسم السودان من هذه القائمة . و لكن الجانب الامريكي في تصريحات لمسؤلين اخرين مثل وكيل الشؤون السياسية بالخارجية الأميركية ديفيد هيل، لم ينسى ان يضيف بعض التعقيد لهذه الاجراءات من خلال حزمة شروط أمريكية هي بالتأكيد ما سوف تطرح على حمدوك و وفده المرافق و تتصدرها قضايا مكافحة الإرهاب و السلام و الحريات و حقوق الإنسان .
حمدوك بلا شك سيؤكد بأن ثورة شعب السودان على نظام الحركة الإسلامية هي ثورة من اجل الحريات و السلام و الديمقراطية ، ثورة من اجل كفالة حقوق الإنسان و إنهاء كل أشكال التمييز العرقي و الديني و الثقافي . و سيكون وزير الأوقاف نصرالدين مفرح الذي يرافق رئيس الوزراء خير من يقدم الدلائل على الوطن الجديد الذي يكفل حرية الأديان و حرية المعتقد و لا يقهر فيه غالبية المسلمين أقلية غير مسلمة ، بل يعيشون في وئام و سلام ضمن دولة القانون و المواطنة .
الوزير مفرح مؤهل جدا لهذا الدور فهذا الشاب الأسمر النحيل خلال فترة وجيزة من تقلده وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية أرسل رسالات عظيمة عن التسامح الديني و كفالة حرية المعتقد في بلاد تخرج لتوها من نظام ديني متزمت و مهووس بالاستعلاء الديني و قهر الأقليات غير المسلمة للدرجة التي جعلته يشن حربا دينية على مواطنين سودانيين في جنوب السودان . و هو أمر مهم جدا لأمريكا و العالم الغربي عموما .
كذلك سيكون بإمكان وزير الدفاع المرافق لرئيس الوزراء تأكيد ان الجيش السوداني و الأجهزة الأمنية عموما ستكون شريكة أصيلة في الحروب ضد جرائم الإرهاب و الاتجار البشر و الهجرة غير الشرعية ، و هذه كلها من الهواجس التي تؤرق أمريكا و حلفاءها الأوربيين ، خاصة و أن السودان في ظل نظام البشير كان داعما رئيسيا للارهاب بإيواء قيادات الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل بن لادن و الظواهري ، فضلا عن تنظيم الانقاذ للمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في عام ١٩٩١ و الذي جمع عتاة العناصر الإسلامية المتطرفة من حول العالم . و هو تاريخ اسود سيحتاج السودان لامثال وزير الدفاع و الوزير مفرح لإقناع العالم بانه قد طوى إلى الأبد هذه الصفحة المتطرفة .
كذلك سيكون بإمكان رئيس الوزراء اطلاع امريكا على خطوات عملية السلام و الإرادة السودانية القوية في احلال سلام شامل عادل في ظل ثورة الشعب ، و هذا سيجيب بكل تأكيد على احد اهم شروط و اسباب استمرار هذه العقوبات نتيجة ما ارتكبه نظام الانقاذ من مذابح و جرائم حرب في دارفور .
حمدوك و وفده يحملون كامل الأهلية للإجابة على أسئلة الطرف الأمريكي، و تأكيد ان الشروط اللازمة جميعها ستستوفى اذا لم تكن قد استوفيت في الأصل، و ستبقى بعد ذلك قضية اللعبة السياسية و التوازنات و المواقف السياسية التي قد تطالب بها أمريكا نظير الخطو مع السودان إلى الأمام في شراكة اقتصادية و عسكرية و استثمارية ، و هي المنعطف الذي سيوضح إلى أي مدى يتمتع وفد السودان بقدرات رجال الدولة البارعين في التفاوض و إحراز الأهداف بلا خسائر مكلفة .
sondy25@gmail.com