لو لم ترتقي سعة الإدراك عند رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى حد إستشفاف هذا الزخم الذي يحيط به من التأييد الشعبي ، وإتساع دائرة إيمان الناس به وبقدراته ، فإن قدراً كبيراً من إمكانياته وأدواته وطاقاته بالتأكيد ستكون مُهدَّرة ، فأيي زعيم لا يستطيع أن يوظِّف قواعده الشعبية في الوقت المناسب والظروف المواتية سيكون أكثر عُرضة للمفاجآت غير السارة والمُحبطة ، لا يكفي فقط الإرتكان إلى نص القانون وما جرت عليه الأعراف في أمر معالجة الضائقة المعيشية التي باتت (مُهدِّداً) رئيسياً للحكومة الإنتقالية أكثر قوةً وشكيمة من فلول النظام البائد ، بعض القرارات المصيرية التي من شأنها بقاء حالة (تأييد) الأغلبية للحكومة الإنتقالية ووقوفهم خلف (مشوارها الطويل) في بناء السودان الجديد تحتاج إلى تخطي أو إلغاء (القانون) والعُرف وأحياناً (المنطق) ولكن بالقدر الذي تفرضه الحوجة الماسة فالقانون والعرف أحياناً يتعارضان مع المصالح الوطنية الإستثنائية ، أمر بقاء وإستمرارية السند الشعبي الحالي يحتاج بكل شفافية إلى شعور الجمهور (بتغيير) ما بعد الثورة في الشارع وفي حياتهم اليومية ، ستظل خيبة الأمل عند رجل الشارع البسيط نقطة ضعف قابلة للإستغلال من قبل فلول النظام البائد ولا يمكن التعويل فقط على طبقة المثقفين والنُخبة فهم أقلية بالنسبة لعامة الناس.
الشرعية الثورية وهذا التأييد الشعبي الواسع الذي لم يسبق له مثيل على مدى تاريخ الزعامات السودانية ، يتيح للسيد رئيس الوزراء المزيد من الفرص في (تخطي) سُلحفائية اللهث نحو توفير القواعد القانونية والإجرائية في مسائل قادرة على تهديد غنيمة التأييد الشعبي المتوفِّر حالياً ، فأمر تعجيل نتائج لجان التحقيق العاملة في قضية مجذرة القيادة العامة وقضايا الفساد المالي والإداري لكثيرٍ من أرباب الإنقاذ المعتقلين والذين ما زالوا أحراراً يتباهون بحريتهم ويتشدقون كل يوم بما يُسيء للوطن وشعبه وثورته المجيدة ، يضمن ويؤمِّن بقاء الحراك الثوري في مستوياته العُليا ويقدم ضمانات للحكومة الإنتقالية أهمها القُدرة على التواصل مع الشارع السوداني وتحريكه لصالح برامجها وأجندتها الوطنية.
أهم خاصية ساعدت الإنقاذيون في إختطاف البلاد وسجنها في مستنقع الفساد والفقر والإذلال المُمنهج لشرفائها هي خاصية تتعلَّق بقدراتهم الإستثنائية وإحترافيتهم لـخصلة (عدم الحياء) ، تلك الخصلة التي يستحيل أو يندُر أن تجدها في سوداني ، وهذا ما يُفسر مقولة طيب الذكر الأديب الأريب الطيب صالح (من أين أتى هؤلاء؟) ، على الحكومة الإنتقالية أن لا تعوِّل أبداً على إنكسارهم بالحياء مما إقترفوا من جرائم وموبقات أو بإنهزامهم عبر اللقيَّم والأخلاقيات المتعارف عليها ، لأنهم ببساطة لا يعترفون بـ (إنسانيةٍ) لسواهم ، لا تتهاونوا وتتركوا لهم الحبل على القارب فهم أجرموا وقتلوا وشرَّدوا وعذَبوا وأفسدوا ، لا مكان لهم ولو إلى حين في متون المنابر وكراسي السلطة وتجمعات الوطنيون الشرفاء ، حتى الذين لم يُدانوا أو لم يثبُت تورُّطهم في جُرمٍ مُبين ، يكفيهم من الشر تأييدهم وإنتمائهم إلى حزب الفساد المُطلق وهذا يكفي.