ما تطلبه الولايات المتحده من الحكومة السودانية عبر ما أقرتهُ محاكمها من تعويضات وغرامات لصالح ضحايا الإرهاب الدولي من مواطنيها ، ليس هو الفاتورة الوحيدة التي سيدفعها الشعب السوداني وحكومته ثمناً لما إقترفته أيدي مجرمي الإنقاذ بإسم الإسلام السياسي المشوَّه الذي لم يكن يوماً يُعبِّر عن حقيقة الإسلام وسماحته وقدرته على التعايش والتعاون مع الآخر ، كيف يستغرب المتخصِّصون وعامة الناس ويستنكرون أن تُعلي الولايات المتحدة من قيمة الحق الخاص وتربطهُ بالتوجهات الخارجية لحكومتها وهي دولة يقوم نظامها الداخلي بالأساس على مبدأ المساواة والعدالة وإنصاف المظلوم ونصرته على الظالم حتى لو كان دولة مُستلبة (في زمانٍ سابق) كالسودان ،
الحق الخاص الذي يحكم به القضاء الأمريكي لصالح فرد أو مجموعة لا يسقط بالتقادم ولا بالثورات الخارجية في بلدانٍ أخرى ولا بتغيير الحكومات فيها ، بالنسبة للقضاء الأمريكي (السودان) مُدعى عليه وترتَّبت عليه إلتزامات بموجب حكم قضائي لصالح ضحايا أمريكيين ، كل ما سبق نقولهُ في إطار إفتراض أن كل القواعد الإجرائية والعدلية قد تم تطبيقها قبل صدور الحكم وبعد الإستوثاق من التحريات والتحقيقات التي أثبتت ضلوع النظام البائد ورموزه القيادية في تلك الأحداث ،
وعلى مايبدو ووفقاً للتصريحات والإشارات الموثَّقة فإن المحكمة الأمريكية المختصة حينها قد أعلنت الحكومة السودانية البائدة عبر السفارة الأمريكية وقد عيَّنت الحكومة البائدة محامياُ عاماً يمثلها في المحكمة المعنية لكنه (إختفى) فجأة وتغيَّب عن جلسات المحكمة حسب تصريحات مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية ، وأضاف : إستغربنا عدم وجوده في الجلسات وأعتقد أن وجوده في الجلسات الأخيرة التي سبقت النطق بالحكم كان سيكون له تأثيراً كبيراً على شكل ومضمون الحُكم.
وعلى ما يبدو فإن النظام البائد قد عالج الموضوع من منظور سياسي لا يُبارح المشهد المهرجاني والهتافي الذي إنحصر في ترديد شماعة إستهداف الولايات المتحدة للسودان والإسلام ، ثم تركوا القضية على ضفة اليأس من الوصول إلى نتيجة إيجابية تُنجي البلاد من مغبة تحمُّل تبعات الحكم الذي سيصدر فيها ،
وفات عليهم أن المنظور في هذا الموضوع هو منظور قانوني وجنائي بحت ولا يحتمل الإدراج قسراً في أضابير اللعبة السياسية التي هم في الحقيقة قد ثبت مؤخَّراً للجميع أنهم أغبى وأضعف من يلعبها ، لا الرئيس الأمريكي ولا الكنغرس ولا مجلس النواب بقادرين على تخطي أو تجاوز الحق الخاص حين تحكم به محكمه أمريكية مهما تدنى مستواها الهيكلي في المنظومة العدلية الأمريكية.
للأسف سيظل الشعب السوداني يدفع أثماناً غاليه لما إرتكبته أيدي الإنقاذ على المستوى المحلي والدولي ، ولكن بالصبر والحكمة والتخطيط المُحكم يمكن تعدي هذه المرحلة بسلام ، فقط نحتاج إلى التحلي بالمزيد من الصبر ، وأن نحتسب ما سندفع من أثمان وما دفعناه مسبقاً من معاناة وظلم وتعثُّر وتأخُّر عن ركب الأمم بسبب هؤلاء الذين فعلاً يصِح فيهم السؤال (من أين أتوا .. ومن أين تشبعوا بهذا الفجور العظيم).