الزميلة الصحفية القديرة سهيرعبد الرحيم عبر مقال لها الإسبوع الماضي أسندت قصة موكب الكيزان المُعلن يوم 14 القادم إلى المثل الشعبي (صحيح الإختشوا ماتوا) ، وشرحت قصة المثل التي تحكي عن إندلاع حريق في حمام بخار بالشام مما دفع بالذين (لم يختشوا من عِريهم) للهروب إلى الشارع والنجاة بحياتهم ، أما الذين (إختشوا) فقد (ماتوا) على حيائهم ، وقد وافق هذا المثل خِضم التساؤلات و(الإستغرابات) الكثيرة التي راودتني حينما كنت أفكر في السؤال الإستراتيجيي (إلى ماذا يهدُف الكيزان من خروجهم يوم 14 إلى الشارع ؟) هل المستهدف هو إسقاط الحكومة الإنتقالية وعودة رؤوس الفساد والظلم وخيانة العهود والأمانة والقتلة إلى كرسي الحكم من جديد ؟ ، أم الهدف هو الإشارة إلى أنهم أغلبية الشعب السوداني ويسعون لإثبات أنهم الـ 98 % كما قال حسين خوجلي وهو في غمرة هذيان السقوط المُر ، أم يستهدفون بخروجهم هذا إهانة الشعب السوداني وإرادته الحُرة ثم إذلال الوطن والإغلاق عليه في قُمقُم فكرهم وغيِّهم الذي كاد أن يودي به إلى غياهب الفناء؟ .
كل تلك الأسئلة راودتني وأنا أتأمل المثل القائل (صحيح الإختشوا ماتوا) ، ففي القصة الحقيقية للمثل كان هناك ما يبرِّر (عدم الإختشاء) وهو الخوف من الموت بالإحتراق ، فمِن ماذا يخاف الكيزان حتى يمزِّقوا بجرأتهم وعدم حيائهم سِتار (الإختشاء) ليخرجوا يوم 14 ، و يُعلنوا للملأ أنهم قومٌ لا تمنعهم ولا توقفهم الفضائح ولا الإحساس بالذنب من أن يخرجوا للناس في ثياب ( الزاهدين ) كما الثعالب ويطلبون (قسراً) و(جبراً) و(قوة عين) أن نُعمل فيهم مرةً أخرى مبدأ (عفا الله عن ما سلف) الذي طالما أقعد السودان وأفقر شعبه الباسل.
ما سيكون يوم 14 ديسمبر حسب إعتقادي هو إضافةً كبرى للثورة ومؤشرات نجاحها في تغيير إتجاهات المواطن البسيط في التعبير عن حاجياته الأساسية من الوطن ، ولكن تُرى وبعد أن يثبت لهم أنهم الـ 2 % سيقنعون ويتراجعون ؟ لا أعتقد فلهم في فنون عدم الحياء والجُرأة على الوطن والمواطن مواهب وإبداعات لا يجاريهم فيها إلا أمثالهم من المُرجفين ، هذا الشعب المعلم أثبت للعالم أجمع أن أمر خروجه للشارع في ديسمبر المجيدة لم يكن لمجرَّد أزمة خبز ووقود أو غاز ، فالحرية والكبرياء والكرامة وشغف التمتُّع بوطن (محترم) بين بلدان العالم كان هو المِرجِل الأول في إندلاع شرارة الثورة ، خروجهم يوم 14 سيبيِّن حجمهم الطبيعي في هذا السودان الجديد وسيغلق باب الجدال حول الحجم الكمي للذين ما زالوا في غيِّهم يعمهون.