بغض النظر عن إنطباعتنا الشكلية والموضوعية عن الحكم الذي صدر يوم أمس السبت على الرئيس المخلوع ، فإن الواقعة في حد ذاتها سابقة سيسجِّلها التاريخ لصالح سُمعة الوطن والشعب والثورات الشامخة ، والتي تتمثَّل في تزيين أضابير السوابق القانونية والعدلية السودانية بما يفيد أن دولة السودان في هذا الزمان الوضيء بالحرية والعدالة وسيادة القانون وبإسم شعبها المكافح قد تضمنت سابقة (إعتقال ومحاكمة رئيس سوداني) وفق إجراءات قانونية قبلية وبعدية لا تشوبها شائبة بما إحتوت وإستوفت من كافة الحقوق التي يوفِّرها الدستور والعُرف العدلي للمتهمين ، وأن هذا الوطن فيه من القيَّم والمباديء والأخلاقيات والقُدرة على الإعتراف بسيادة القانون وقداسة العدالة بالقدر الذي يجعلهُ لا يتوانى عن إعتقال ومحاكمة أعلى مستويات قياداته والمتمثلة في رئيس الجمهورية ، لعمري في ذلك من الفخر وإشارات التطوُّر والتقدم ما يمكن أن يجعلنا مطمئنين في مستقبل الأيام أن عجلة التنمية المستدامة لا بد لها أن تدور في هذا الوطن الذي يستحق ، طالما كان القانون والمساواة والعدالة أساس ما يقوم عليه السودان الجديد.
أما مسيرة (الزاحفين) إلى غياهب المجهول في عالم الحراك السياسي الجديد في السودان والذي أصبح بحراً من الوعي الجماهيري الثوري تجاه مباديء الثورة (حرية – سلام – عدالة) ، وكما توقعنا وتوقع الكثيرين فقد ثبت أنهم لا يجيدون (العوم) في هذا البحر العرمرم ، وقد كان مخاضهُ دماء الشهداء الطاهرة وأنات الجرحى وأحزان أولي المفقودين ، لكن علينا وعلى لجان المقاومة الثورية أن لا نستهين بما حدث اليوم ، لأنهم يا أيها الثوار وكما عهدناهم أفضل من يتجاوز سُتر الحياء وأذكى من يستخدم الشعارات البرَّاقة للوصول إلى المصالح والأهداف ، وأهدافهم منها حل الحكومة الإنتقالية وتكوين حكومة جديدة ، ثم رفع حالة الطواريء وإلغاء الوثيقة الدستورية والدعوة إلى إنتخابات مُبكرة ، مسيرتهم الأولى أو (زحفهم المأفون) أتوقع أن يتكرَّر وتتوالى المواكب الإحتجاجية وأن يواصلوا الضغوطات المُرجفة على الحكومة الإنتقالية ، إنهم بزحفهم المُدعى هذا يكسرون حاجز الخوف والهلع من ردة فعل الشارع والسلطات ، هم الآن ينتقلون من مرحلة صرعة الهزيمة الفردية إلى صرعة الوجع الجماعي ، أغلقوا أبواب الأمل الباهت في وجوههم بصمودكم وصبركم ووقوفكم خلف حكومتكم الإنتقالية ومباديء الثورة وشعاراتها ، لا تركنوا إلى راحة أو غفوة وإحموا ثورتكم وما تطلَّع إليه شهداءكم وأمهروه بأرواحهم الطاهرة ولا نامت أعين الجبناء .