إختلاف الناس في شخصياتهم و أمزجتهم و طباعهم وسلوكياتهم ، هو أحد سمات معجزات الخالق جلّ وعلا و إبداعة في خلق الإنسان ، الذي حُمل أمانة تعمير الأرض ، و أُمر بالعبادة و إتباع شريعة القرآن الحنيف و السنة النبوية الشريفة ، و للغرابة فإننا لا ننظر إل الناس من حيث إختلاف طباعهم و أمزجتهم بقدر ما نلتفت إلى أمر إختلافهم الشكلي على مستوى اللون و العِرق و الإنتماء الديني أو السياسي ، و في ذلك سيادة و اضحة لعنصر الإعتداد بالشكليات في حياتنا ، و إنحسار مُقدّر في تقصي قيَّم المضمون و الجوهر عند الآخرين ، فعلماء الطب النفسي و الباحثون في العلوم الإجتماعية أكدوا أن طبيعة شخصية الفرد و مزاجه مرتبط بصورة أساسية ببيئته الجغرافية و الطبيعية و مؤثرات خارجية أخرى ،
و أن أهل الحضر و المدينه هم الأكثر قلقاً و توتراً بالمقارنه مع ما يتمتع به أهل البادية و الصحراء و الريف ، و ذلك يكمن في واقع الحال الذي يعانيه الناس في الحواضر و المدن جراء تزايد و تواتر التعقيدات المتعلقة بالحياة اليومية و كثرة الضغوطات النفسية و الثقافية و المادية و الشعور ( التوحدي ) العام الذي يعانية مجتمع المدن ، إذا ما تم قياسة ببساطة الحياة اليومية في البوادي و الأرياف ، و إتساع دائرة التواصل الإجتماعي و إعتماد نظام الأسرة الممتده فيه بالقدر الذي ينفي صفة ( التوحديه ) ..
و يجعل الإنسان لا يتعامل مع مشاكله الشخصيه العادية و الإستثنائية كفرد ، حيث تتسع رقعة المساندة الأسرية و المجتمعية بالقدر الذي يرفع من تأثير فكرة التعاضد والتكاتف الإجتماعي ، الذي تفتقد إليه المجتمعات المدنية ، حيث لا دلالات واضحة فيها تتناسب مع شعور الفرد بالإنتمائية الحسيه و المعنوية ، فكل أحياء المدن و العواصم متشابهة في شكلها و مضمونها ،
ولا تخلق نوعاً من التحيُّز النفسي لقاطنيها يجعلهم يشعرون بالغربة حين يغادرونها ، و لكن العكس صحيح في حال الإنتماء إلى القرية ، حيث تزدحم نفوس المنتمين إليها بمشاعر نفسية تدفعهم دائماً إلى التشبث بجذورهم فيها ، و عدم الرغبة في تبديلها ، للحد الذين يجعلهم في بعض الأحيان متخوفين و متوجسين من بوادر التنمية التي تفرض التغيير إلى الأفضل ، و ذلك خشية شعورهم بالغربه النفسية و هم فيها ، فأهل القرى البعيدة و الأرياف البسيطة هم على الدوام الأكثر فطنةً و قدرةً على الصبر و التحمل النفسي و البدني ،
وهم الأبعد عن آفات إجتماعية أصبحت تعاني منها العواصم و المدن نتاجاً للتكالب اللا أخلاقي للحصول على موطيء قدم أولقمة عيش تسد الرمق ، مما أدى إلى إندثار مفاهيم و قيِّم إنسانية ما زالت وجدودة في المجتمع الريفي ، ندعو رب العالمين أن يوليها بعنايته و لا تزول ، أمزجة الناس و طبائعهم المتعلقة بالتعامل و السمات و القيِّم كالتفاؤل و الإقدام و الكرم و البسالة و الأمانة و تفديم مصالح الآخرين على المصلحة الشخصية و غيرها من السمات الإنسانية الأخرى التي إتفق العالم حول كونها إيجابية ، تحتاج إلى بيئة نفسية و مادية مشجعة و دافعة حتى تنعم بالثبات و الخلود.