من منكم لم يستغرب وهو يشاهد الهستريا التي أصابت محامي الدفاع عن المخلوع عمر البشير في محاكمته بالامس حين جاء القاضي المحترم مولانا الصادق عبدالرحمن على ذكر قضية إعدام المرحوم مجدي، الذي شنقته الإنقاذ بذات التهمة التي يواجهها المخلوع، ثم عويلهم وصراخهم خارج قاعة المحكمة و تهامهم للقاضي بأنه قاضي سياسي !!.
عجبا لهؤلاء البائسين! لقد ظلت الأحكام السياسية تجري أمام أعينهم وأسماعهم طيلة ثلاثين سنة متتالية، فهل استنكروا يوماً واحداً حكماً منها أو أصيبوا بهذه الهستريا ؟؟!!
طيلة تاريخها الأسود لم تخل سجون الإنقاذ من المعتقلين السياسيين نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، فهل استنكر الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر ذلك يوماً، وهو كان رئيس البرلمان المفترض فيه الدفاع عن حقوق المواطنين؟!! سجن السيد الصادق المهدي سجناً سياسياً وهو في سن تجاوزت الثمانين عاماً، فهل أصابت الهيستريا الأستاذ محمد الحسن الأمين وهو في ذلك الوقت نائب رئيس المجلس الوطني؟!! قتل الشهيد علي فضل والشهيد احمد الخير تحت التعذيب في سجون الإنقاذ، فهل صرخت تلك المحامية الثاكلة بقوة الإخوان والكيزان أو تحسبن من هول ما وقع بهما ذاك المحامي المتحسبن الجزع من محاكمة المخلوع؟؟!
نرثى لحال هؤلاء الأساتذة الذين طففوا في ميزان العدالة وأهانوها مدة ثلاثين سنة وجاؤوا اليوم يتباكون عليها في أول منعرج حين دار الزمان واستدار ونزع منهم ورقة توت السلطة، وجعلهم عرايا أمام الحقائق و القانون.
لقد قدم القاضي المحترم الصادق عبدالرحمن مرافعة قانونية رفيعة، و كان أبعد ما يكون عن السياسة، بل كان رحيماً و رؤوفاً في حكمه على المخلوع، و لو كان سياسياً كما يدعون لحكم بإعدامه كما أعدم هذا المخلوع مجدي وجرجس بذات التهمة، و لكنه كان قاضياً يتحرى القانون، في ظل ثورة جاءت لتحقيق حكم القانون لا للتشفي والانتقام، فأصدر عليه حكماً بسيطاً جداً في نظر كثيرين، و لكنه كان كافياً ليمثل أول إدانة اخلاقية وقانونية لرئيس سوداني بجرائم تتعلق بخيانة الأمانة، وهي إدانة تنسحب بلا شك على كل فترة حكمه وعلى محاميه الثكالى المدافعين عنه.
مشهد هؤلاء المحامين المهرجلين و منظر الفوضى التي أحدثوها داخل المحكمة ونقلتها الفضائيات عكست الصورة الحقيقة للجهاز الحقوقي للكيزان وجهله وخروجه عن أبسط قواعد احترام القانون وساحات القانون، و قد كان عقاب القاضي بإخراجهم من قاعة المحكمة هو السبيل الوحيد لحفظ هيبة هذا المكان الذي لم يحفظ له محامو الانقاذ يوما هيبته و داسوا عليها بالأقدام عبر السنين ، فالتاريخ لم يشهد لهيئة الدفاع عن المخلوع طيلة الثلاثين سنة من حكمهم وقوفاً ودفاعاً عن سوداني أغبش بسيط قبض عليه يمارس حقه القانوني والدستوري في التظاهر السلمي أو التعبير عن رأيه، لم يمارسوا هرجلتهم و عويلهم في المحاكم واتهاماتهم القضاة و هم يوزعون أحكام الجلد و السجن و الغرامات بشكل يومي على الشباب والنساء والكهول وجميعها احكاما سياسية سيئة السمعة ، فلماذا يتباكون اليوم كالارامل !!! لماذا لم ينبسوا ببنت شفة طيلة عهد الإنقاذ وأجهزتهم الامنية تمارس اأشع أنواع الأحكام السياسية التي شهدت عليها كل منظمات العالم المهتمة بحقوق الانسان، أم ان التي كانت تذبح أمامهم يومها ليست هي العدالة او الذي يحدث أمامهم يومها ليس تسيسا للقانون !! .
لم تنل هيئة الدفاع عن المخلوع احترام الشعب طيلة ثلاثين سنة ، فهل تناله اليوم !! . لم تراع هذه الهيئة قدسية العدالة وقيمة القانون حين كان افرادها هم الممسكين بزمام الحكم و الأمور، فهل نتوقع أن تصحى ضمائرهم الآن !! كلا ولا، بل هم اليوم كما كانوا بالأمس مجرد هتيفة وسدنة دكتاتور أطاحت به ثورة الشعب وأدانه القانون العادل بالأمس ليخلد إلى الأبد مجرماً و دكتاتوراً.
sondy25@gmail.com