تقرير: إسماعيل محمد علي
نال حكم المحكمة السودانية، الذي صدر بحق الرئيس السابق عمر البشير السبت 14 ديسمبر (كانون الأول) 2019 بالإيداع، في دار الرعاية الاجتماعية مدة عامين، بتهم الاتجار في النقد الأجنبي ومصادرة الأموال المضبوطة في منزله عقب الإطاحة بنظامه في أبريل (نيسان)، رضا القانونيين السودانيين لكون أن القاضي التزم بتطبيق النصوص الواردة في القانون، لكنه أغضب الشارع السوداني الذي كان ينتظر عقوبة تصل إلى الإعدام.
وبحسب عدد من المحامين الذي تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”، فإن البشير ما زال يواجه قضايا أخرى مهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام، ولا يشملها الاستثناء كما حدث في هذه القضية المتعلقة بالفساد والثراء الحرام، منوهين بأنهم لم يفاجئوا بما صدر من حكم لأنه كان متوقعاً بالفعل.
وجاء توجيه هذه التهم للرئيس السابق البشير عقب إعلان رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق عبد الفتاح برهان العثور على 113 مليون دولار في منزل البشير ليلة تنحيه، عندما قام فريق مشترك من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن تحت إشراف النيابة العامة بتفتيش منزله، وعثر على سبعة ملايين يورو، إضافة إلى 350 ألف دولار، وخمسة مليارات جنيه سوداني.
قرار متوقع
وأشار المحامي محمود حاج الشيخ إلى أن قرار المحكمة الذي أصدره القاضي الصادق عبد الرحمن كان متوقعاً لأن القانون السوداني يستثني من بلغ عمر الـ 70 سنة من الإعدام، إلا في جرائم القصاص والحدود، فهي لا يشملها الاستثناء، مؤكداً أن البشير يواجه قضايا أخرى أكثر خطورة من أهمها تقويض النظام الدستوري عام 1998، وإعدام 28 ضابطاً من دون محاكمات عادلة عام 1990، وما حدث من إبادة جماعية في دارفور عام 2003، وقتل المتظاهرين في ثورتي سبتمبر (أيلول) 2013، وديسمبر 2018 وهي في مجملها قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام، ولا يمكن التنازل عنها إلا في حال موافقة أولياء الدم.
فساد واستغلال
وفي السياق ذاته، أوضح المحامي نبيل أديب أن القاضي في حكمه على البشير كان موفقاً، واتبع القانون ونصوصه الواضحة ولم يخالف بنوده، لافتاً إلى أن مرافعته تعد سابقة في تاريخ القضاء السوداني والعربي، فعلى الرغم من الإدانة القوية التي وجهت للمتهم البشير بأن ما قام به من تجاوزات صريحة يعد فساداً واستغلالاً للوظيفة العامة وتخريباً للاقتصاد السوداني، لكن القاضي التزم بنصوص القانون التي تحرم سجن من تجاوز عمره 70 سنة، لذلك قرر إيداعه دار الرعاية الاجتماعية، مؤكداً أن هذا الحكم يؤسس لدولة القانون وخطوة مهمة جداً في هذا الاتجاه.
وبيّن أديب أن مسألة الاعتداء على المال العام تعد من القضايا الأساسية التي مارسها النظام السابق بشكل كبير وفاضح، ما سبب الانهيار الاقتصادي الذي ما زال السودان يعاني من أثاره من دون مراعاة لحرمته كمالٍ عام يستوجب الحفاظ عليه، وتوجيهه نحو التنمية والخدمات الأساسية، مؤكداً أن البشير ما زال يواجه إجراءات أخرى واتهامات خطيرة عقوباتها تصل إلى الإعدام، خصوصاً تلك المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن أن هناك اتهامات كثيرة لم توجه بشكل رسمي إليه لأن 30 عاماً من عمر النظام جرت فيها انتهاكات كبيرة وجرائم ظالمة.
دار الرعاية
وكانت المحكمة السودانية دانت البشير بالفساد وحيازة مبالغ بالعملة الأجنبية بصورة غير مشروعة، وقضت بإيداعه مؤسسة الإصلاح الاجتماعي مدة عامين، كما قضت بمصادرة المبالغ المالية موضوع الدعوى، وذلك عقب إصدارها حكماً بالسجن 10 أعوام ضد البشير (75 سنة) في تهم الفساد المالي نفسها، لكن المحكمة، وفي الجلسة ذاتها، أسقطت حكم السجن عن البشير لتجاوزه 70 سنة، وقررت إخضاعه للإقامة في دور الرعاية الاجتماعية مدة عامين، في القضية التي عرفت باسم الثراء الحرام والتعامل بالنقد الأجنبي، وقال القاضي الذي ترأس المحكمة إنه تقرر إيداع البشير مؤسسة الإصلاح الاجتماعي وليس السجن نظراً لكبر سنه، وأمر أيضاً بمصادرة ملايين من اليورو والجنيه السوداني عُثر عليها في مقر إقامة البشير بعد الإطاحة به.
المحكمة الجنائية الدولية
في المقابل، شككت هيئة الدفاع بالظروف السياسية المحيطة بالمحاكمة، ومن داخل قفص الاتهام، تابع البشير الذي ظهر في جلباب تقليدي أبيض وعمامة، النطق بالحكم. وبدأت المحكمة الجنائية الخاصة بمحاكمة الرئيس السوداني المعزول جلستها، وسط إجراءات أمنية مشددة شهدتها العاصمة الخرطوم. وخلال الجلسة، استمعت المحكمة إلى مجموعة من شهادات تناولت قضايا فساد مالي، يتهم البشير بالتورط فيها.
والبشير مطلوب أيضاً لدى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحقه عامي 2009 و2010 لتهم تتعلق بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية في منطقة دارفور السودانية. وأقيمت قضايا عدة أخرى في السودان ضد الرئيس السابق، وفي مايو، اتُهم البشير بالتحريض والضلوع في قتل المتظاهرين وجرى استدعاؤه، الأسبوع الماضي، لاستجوابه في دوره في الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1989 وأتى به إلى السلطة.