هنا والآن وحالاً ومنذ هذه اللحظة وهذا اليوم تنتهي مسيرة إبراهيم غندور السياسية.. فهو قد كذب أمام كل العالم.. وأنكر حديثا مُثبتاً حول مواضيع غاية في الخطورة سواء كان فيها تهديد صريح واستخدام للغة البندقية (المعاكسة) أو لم يكن..فالحيثية التي نتحدث عنها الآن هي بين (الصدق والكذب) وليس غير ذلك.. وهو كلام خاطب به غندور الشعب السوداني من خلال ندوة سياسية أمام مؤيديه..وهو حديث مشهور مُثبت مسجل بالكاميرا والصوت..
رافقته (همهمات استحسان ومباركة) وصيحات اعجاب وتأييد بين جملة وأخرى من جماعة المؤتمر الوطني خاصة بين كلمات (الانتفاضة المعاكسة) و(البندقية المعاكسة)..! ولكن غندور أنكر ما قال إنكاراً تاماً وبتأكيد شديد (لا يحتمل التأويل)… أنكره بالقول و)بعضمة اللسان واللهاة( وليس بالإيماءة أو الإشارة..أنكره (إنكاراً مُغلظاً) خرج من حلق الرجل وبصوت واضح في شاشة التلفزيون أمام سمع وبصر السودان والعالم العربي وغير العربي وسمعته كل الكتل البشرية التي شاهدت اللقاء في “قناة الجزيرة” عبر )قارات العالم الستة( وانتاركتيكا والاقيانوس… قال غندور في الإنكار ما يلي وبصوت واضح:
أتحداك لو تكبس ألف زر لتثبت إني قلت هذا الكلام
انأ في حياتي لم أتحدث عن بندقية وبندقية مقابلة
هذا الكلام لا يشبهني
كل الناس يعلمون إن هذا ليس كلامي ولا أسلوبي ولا طريقتي
أنا لا أنسى ما أقول
أتحداك (مرة أخرى) أن تثبت إني قلت هذا الكلام
أتحداك (مرة أخرى) آن تكبس إلف زر لتثبت إني قلت هذا الكلام
أرشيفي السياسي .. هذه ليست لغتي
لكن ما هو الكلام الذي أنكره غندور..؟؟ الكلام كان خلال مخاطبته لندوة سياسية شهودها العشرات وربما المئات ولسوء حظه أن حزبه المحلول كان يوثق بالكاميرا والصوت أحاديث خطبائه… كلام غندور هو:
لا بديل للحوار.. النظام إذا سقط بالانتفاضة المحمية فالانتفاضة العكسية واردة
وإذا سقط بالبندقية.. فالبندقية العكسية واردة
وعندها سيدفع الثمن الوطن والمواطن
هذا هو الكلام ببساطة كما قاله عمر الدقير بنقل أمين عن غندور وبصورة حرفية من خطابه أمام جماعة المؤتمر الوطني في 2014 عام خديعة الحوار الشهيرة..وبعد ستة شهور من المجزرة الدامية التي ارتكبها المؤتمر الوطني..!
وما كان لغندور أن ينفيه.. فهو كلام (خفيف) قياساً إلى (الدراب) الذي اعتاد الشعب أن يسمعه من حزبه..حزب المشروع الحضاري..!!
والقضية هنا ليس عن مضمون الكلام وهل هو جيد (أم بطّال).. المسألة هنا: هل قلت يا رجل هذا الكلام أم كذب عليك عمر الدقير؟
ثم اتضح أن الحكاية ليست في حاجة للكبس على (ألف زر) والآن يمكن لأي شخص أن يكبس (على زر واحد) ليقف على حديث غندور:
وجاء مقطع الفيديو الذي لم ينكره غندور بذات الكلام وبتطابق كامل
في الفيديو غندور يرتدي جلابية وعمامة ويقول ذات الكلام حرفياً
غندور لم يقل (هذا ليس أنا) ولم يتهم أحداً بـ(الدبلجة) والتزوير في الصورة والصوت
إذن ما هو الفرق؛
الفرق هو أن غندور يكذب
غندور كذب أمام كل العالم وأمام الشعب السوداني وتحدى بيقين قاطع انه لم يقل ذلك في حياته ولم يتفوه بكلمة واحدة في حياته عن بندقية وهذه ليست لغته ولا طريقته…!!
معنى ذلك غندور يكذب وأي محاولة للإنكار غير ذلك تستدعي ما هو أسوا من الرثاء والسخرية..!
لقد تنصّل هذا الرجل بتأكيد شديد من كلام يخاطب به الشعب السوداني أثبتته الصورة والصوت واتضح انه رمى عمر الدقير بالكذب لينتصر لذاته في الحوار ولإظهار خصمه السياسي بأنه يكذب على رؤوس الإشهاد وبأنه يتقوّل عليه ويبهته بما لم يقل..!
هنا تنتهي الحكاية وينتهي إبراهيم غندور من الحياة السياسية إلا إذا كان (الكذب ماهواش حرام) وبما أن غندور ينتسب إلى حركة إسلامية فهو يعرف موقع الكذب في قائمة الموبقات التي تخرج صاحبها عن حظيرة الدين والإيمان..!
وفي أمر السياسة لا يجوز أن يكذب القائد السياسي على شعبه ووطنه وأمته وينكر اليوم ما قاله بالأمس؟
ومن باب المروءة ألا ينكر الشخص ما قاله بل (أن يركز) لتحمل تبعاته
المأمول أن يكون غندور قد أيقن بانتهاء دوره في عالم السياسة منذ اللحظة التي شاهد فيها نفسه (في الفيديو بالجلابية والعمّة) وهو يردد بالحرف ويثبت بلسانه ما أنكره بالأمس وتحدى بإثباته كل العالم وكل (كبسات أزرار) كومبيوترات الدنيا..!!
وداعاً لغندور من دنيا السياسة والعمل العام.. إلا إذا كان هناك حزب جديد يحب أن يبني مواثيقه وبرامجه ولوائحه التأسيسية على الكذب..!
ولكن نهاية الحياة السياسية لا يعني نهاية الحساب على جماعة المؤتمر الوطني.. فهناك حسابات الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على الوطن من إعانة الظالم ومن تدمير النقابات ومن تزوير التمثيل الذي يجعل البروفسيرات والأطباء أصحاب العيادات والجامعات والمُخدمين للعمالة (رؤساء لاتحادات العمال)..وهناك جرائم دم وجرائم طرد للناس من ديارهم ومن وظائفهم وهناك الصمت على الفساد الذي لا يختلف عن المشاركة فيه، وهناك الرفاه والمخصصات التي تغري بتعدد الزيجات في مقابل إفقار الشعب وتشريد الأطفال وإجلاس التلاميذ في التراب.. وغير ذلك مما يستوجب الحساب الذي يشبه نظرية (الحساب الفردي) في مشروع الجزيرة..!!
murtadamore@gmail.com