بعض أصحاب الحجج و الرأي المخالف دونما إتكاء على منطق ، دائماً ما يرددون مقوله ( أن الخطاب الأدبي و الصحفي يجب أن يكون وسطياً حتى يكون في مستوى فهم العامة ) .. و في الحقيقة يفوت على أذهانهم دوماً أن الخطاب الأدبي و الإعلامي و ربما الصحفي في كثير من الأحيان يكون بالمعلوم لدى منتجه أنه موَّجه للنخبة أوفئة بعينها ، و ذلك من منظور ( خدمة أهل الإختصاص و الإهتمام بالموضوع ) .. فإن يكن الخطاب الأدبي و خصوصاً الواقع في إتجاهات النقد على عموم مشاربه و مناهجه المعروف غير مفهوم لدى العامة ، فهذا بالتأكيد لن يكون خطأ الناقد ، وفي هذا المجال لا يمكننا أن نأخذ عليه في الإتجاه السالب من يكتبه من مفردات و مصطلحات علميه إتفق عليها عامة النقاد في تناول أبواب شتى من الفنون ، بالقدر الذي جعلها ( أي تلك المفردات أو المصطلحات ) ..
واقعة في نطاق التعريف العلمي للشق الذي يتحدث عنه الموضوع ، و كذلك لا يمكن أن يكون سالباً مقدرة الناقد أو الكاتب الصحفي أو حتى القاص و الشاعر على الإجادة في إختيار اللغة و تشذيبها و تنميقها بإحترافية لمجرد أن فئة من المتلقين لا تتفهم مقامها من حيث المستوى و العُمق المعرفي اللغوي ، فهذه من وجهة نظري مشكلة تخص المتلقي ، و هو في ذلك له خيارين لا ثالث لهما أولهما أن يرتفع بمستوى لغته حتى يستطيع أن يتذوق و يقرأ ما كتب بلغة عاليه ، و ثانيهما أن يختار فيما يطلع عليه ما كان متناسباً مع معارفه اللغويه ، و هناك منهج في مجال الكتابات الصحفية على وجه التحديد ،
يدعو إلى عدم جواز نزول لغة الخطاب الصحفي إلى المستوى الأدنى لعامة المتلقين ، بل تجب الإجادة في هذا المجال بما يتيح مجالاً للرفع من مستوى الذوق العام و كذلك الحصيلة المعرفية لدى القاريء و المتعلقة بالتعامل مع اللغة الراقية و الكتابات الجادة الملتزمة بحذافير اللغة الصحيحة ، كما أن هناك منهجاً آخر دعا إلى ضرورة النزول إلى مستوى لغة العامه ليتم مخاطبة أكبر قدر من المستهدفين بالعمل الأدبي أو الصحفي أو حتى النقدي ( من باب إيصال الرسالة واضحة للمستهدفين من المادة النقدية ) ، غير أن هذا المنهج من شأنه أن يكرِّس لظاهرة تحجيم مستوى الإجادة و العلو باللغة ، و إعتبار من يتجه للمثابرة و التحصيل في سبيل تطوير و تصحيح لغته الأدبيه جانحاً أو خارجاً عن مستوى التأثير ( لمجرد أن عامة المتلقين لا يستطيعون الوثب لفهم لغة خطابه المتطوره ) ،
و في هذا ظلم كبير لمن أرادوا التجويد و الإختلاف ، و كذلك ظلم لحركة التجويد العامة و التي تعتبر واحدة من أركان تطور الفنون النصية بشتى أشكالها ، كما هو أيضاً ظلم في حق إستفادة المتلقي من المعارف اللغوية الموجودة في النصوص بما يشكل تطويراً لمقدراته التذوقية و الإستيعابيه في إطلاعاته المستقبليه ، كما تجدر الإشاره إلى هذا المنحى في التجويد اللغوي للنص الإبداعي يسري أيضاً في كل النصوص و المخاطبات التي تُطرح باللغة العامية المحضة ، و التي لا تختلف عن الفصحى في مجال إمكانية إنتقاء المفردات و التعابير التي تفيد الإجاده فيها و العلو بها من حيث القيمة اللفظية و مكونات الجمل و المعاني .