نعلم صعوبة الفطام..
وكان يمكن أن نتقبل تبعاته ذات (الجقلبة) هذه لو أنهم – فقط – أبعدوا عنه الدين..
الفطام عن السلطة…والثروة…والتمكين..
ثم التسهيلات (الدنيوية) حيثما ولوا وجوههم إلى أن أثروا…وتنعموا…و تسفهوا..
فالدين برئ تماماً مما كانوا يفعلون..
لا الكذب من الدين ؛ ولا الغش…ولا السرقة…ولا التزوير…ولا سفك الدماء..
والناس تبينت ذلك كتبينها تجويف سن رئيسهم المكسورة..
ومن ثم فإن محاولة الضحك على الذقون – بالذقون – هي لعب في الزمن الضائع..
وقد ضاعت منهم ثلاثون عاماً…وضاعوا هم معها..
ولولا أن ثبت الله أهل السودان على الإيمان لضاع دينهم جراء اللعب بالدين..
فما من نظام أساء إلى الدين بمثلما فعلوا هم..
رغم إنه ما من نظام سابق – في البلاد – رفع شعارات الدين ؛ وحكم باسمه..
والبارحة تزامن حدثان ذوا صلة بهم..
زحفهم (الأبتر) – والذي سموه الأخضر – وصدور الحكم ضد رئيسهم المخلوع..
وهو حكم في قضية واحدة فقط ؛ تتعلق بالمال..
وبقيت قضايا الانقلاب على الشرعية…وقتل المتظاهرين…والإبادة الجماعية..
وهي جميعها تتعارض مع تعاليم الدين..
هذا الدين الذي رفعوا له لافتات في مسرتهم أمس ؛ وهتفوا بضرورة عودته..
فهل هو خرج ولم يعد؟…فما أوصافه إذن؟..
الإجابة على ألسن أفراد الشعب ستختلف – قطعاً – عن التي تأتي عبر أفواههم..
فهم سيرددون ما نعرفه عن تعاليمه بالضرورة..
العدل…الصدق…الرحمة…الأمانة…العفة ؛ إلى آخر قائمة تعاليمه السمحاء..
أما ما سيقوله غالبية الناس فمختلف جداً..
فهي – باختصار شديد – أوصاف عكس كل الذي يرددونه هذا ؛ بل وأسوأ بكثير..
وعليه فالبحث عن الموصوف هو بحثٌ عن مجهول..
ونعني في زمانهم الذي تطاول ثلاثين حولاً…اختفت خلالها تعاليم الدين ؛ حكماً..
بمثل اختفائها أثناء محاكمة رئيسهم أمس..
فما أن أشار القاضي إلى سابقة إعدام مجدي حتى صاحوا (سياسية… سياسية)..
بمعنى أن المحكمة مسيسة ؛ وحكمها سيكون مسيساً..
طيب ؛ هل معنى ذلك أن الحكم بقتل مجدي كان لدواعٍ سياسية؟…أم قانونية؟..
سيقولون قانونية طبعاً ؛ ولا ذكر للدين هنا..
فالدين لا يبيح قتل النفس في مال (خاص) ؛ لا مسروق…ولا منهوب…ولا (مجنب)..
وهو القانون ذاته الذي أقره البشير قبل سقوطه بقليل..
أي قانون الطوارئ ؛ وفيه أن كل من يُوجد بحوزته نقد أجنبي يجوز إعدامه..
ورغم ذلك فالقاضي لم يحكم بإعدام رئيسهم..
ولا حتى بسجنه ؛ إذ إنه تجاوز السبعين من العمر…وإنما أحاله إلى المصحة..
وهو البديل (المعقول) عن حكم التغريب..
بل والمناسب (نفسياً) له – كذلك – بالنظر إلى (أفعاله)..
علماً بأنه ما كان يتورع – أبداً – عن سجن معارضي حمكه مهما بلغت أعمارهم..
وآخر مثال على ذلك (شيخه) الترابي نفسه..
وغاب الدين عنهم أمس – أيضاً – حين نسوا بعض أحكامه بشأن سابقة مجدي..
ومنها القصاص ؛ العين بالعين…والسن بالسن..
أليس هذا – وغيره مما ذكرنا – هو الشرع الذي يقولون إنه غاب؟…وينوون إعادته؟..
أم إن لهم ديناً يعرفونه وحدهم ؛ ولا نعرفه نحن؟..
إنها حقاً مسيرة زحف أبتر لا (تخلِّف) صدى…ولا أثراً…ولا حساباً (ولداً)..
وشانئها هو (الأخضر) !!.