تشهد هذه اللحظات أنشطة محمومة واستقطابات حادة في اطار التنافس من أجل الفوز بموقع الامين العام لحزب الأمة القومي؛ والذي يمثل في هذه الوقت موقعاً محورياً، في تحديد شكل حزب الأمة القومي أثناء وبعد المؤتمر الثامن، والذي أطلق عليه الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب وإمام الأنصار، مؤتمر إعادة التأثيث الرابع.
ولذلك جاءت المنافسة على هذا الموقع هذه المرة حامية جداً أكثر من أي وقت مضى، وفي هيئة وشكل أقرب الي المعركة. وفي تقديري أن هذا أمر متوقع لأهمية هذا الموقع في تحديد شكل مستقبل الحزب، والذي يريد له المخلصون من الكوادر المبدئية وصاحبة الرؤى، (وعلى راس هؤلاء الامام الصادق المهدي) ، أن ينتقل نقلة كبيرة في هيكله التنظيمي وفي شكل ونوع روافع تكوينه وفي طريقة إدارة شئونه ليصبح حزب حديث تقوم القرارات فيه على إرادة المؤسسات ويتخلص بالتدريج من قوة تأثير الروافع القديمة دون أن يفقدها، ويكون أقدر على مخاطبة التغييرات البنيوية التي حدثت في المكون الاجتماعي الوطني خلال المدة ما بعد الاستقلال، وخاصة خلال الثلاثين عام الماضية أثناء حكم الاخوان المسلمين، والذين حاولوا احداث تغييرات واسعة وخلخلة في الولاءات السياسية التقليدية وبالعلاقات فيما بين المكونات الوطنية، وأعلوا من النعرات القبلية والجهوية والإثنية، مما أثر على شكل الولاءات التقليدية للحزب في دوائره التقليدية التاريخية.
كانت عبقرية الإمام الصادق المهدي واضحة في إخراج رؤية إعادة التأسيس الرابع والتي إستبق بها انطلاق احداث الثورة والتغيير الوطني والاطاحة بالنظام في نهاية العام ٢٠١٨م. ويثبت ذلك قوة حدث الامام وحسن قراءته للواقع الوطني وقناعته بقرب إنهيار نظام الانقاذ.
وقد إستهدف الامام بهذه الرؤية أن يكون حزب الأمة القومي قادراً على مواصلة دوره في قيادة الدولة والمجتمع السوداني في المستقبل وأن يكون قادراً علي مخاطبة الأجيال الناشئة وقادراً علي إختراق المكونات الثقافية والنوعية وسط القوى الحديثة من طلاب وشباب ومرأة. ويبقى مستمراً في الإستيعاب لمكوناته التقليدية وقادراً على تطوير ولاءاتها من الولاء للأشخاص الي الولاء للمؤسسات والبرامج في إطار هذا الولاء ويمكنها من ممارسة صلاحياتها التنظيمية في إطار لا مركزية يؤمل أن تقوّى من إرادة الجماهير وتقلص من هيمنة الروافع القديمة. والامام يعلم أن تلك الروافع ان كانت ملائمة للماضي فإنها أقل قدرة على مخاطبة أشواق الأجيال الجديدة وسيؤدي استمرار تمكينها وهيمنتها على قرارات الحزب الي خسران الحزب لولاءاته ولقوة تأثيره في الواقع الوطنى في المستقبل.
الذي نراه الآن من صراع كبير في إطار مؤتمر الهيئة المركزية ليس شراً كله، وهو صراع متوقع ومطلوب كتمرين ديمقراطي وإستحقاق دستوري مطلوب في إطار الإصطفافات المتقابلة والمتصارعة من أجل التمكين وتشكيل شكل الحزب ونوع طرائق العمل فيه فيما بعد المؤتمر الثامن، مؤتمر إعادة التأسيس الرابع.
إنها معركة حقيقية بين مكونين لا ثالث لهما، وستحدد نتائج هذه المعركة بلا أدني شك شكل الحزب ومدي قدرته على التأثير والفعل في المستقبل ما بعد ابتعاد الإمام عن إدارة الحزب بشكل مباشر. كما أن انتصار ايٍ من التي أرين المتنافسين سيجيب على السؤالين المهمين:
١- هل سيدار الحزب في المستقبل وفق إرادة المؤسسات والاساس الديمقراطية المألوف ووفق النظم واللوائح والرؤي الجديدة التي بدأ إرساءها بالمؤتمر السابع والتي مكنت الولايات من اتساع صلاحياتها التنظيمية، (ولكنها عجزت عن تمكين المؤسسات المركزية من ذلك الحق)، ام ستتجدد الهيمنة على الولايات وتحدث نكسة وكسر لإرادة التغيير في الحزب التي إنطلقت في المؤتمر السابع.
٢-وهل ستستمر إرادة التطوير وتحرير المؤسسات من قبضة تلك الروافع ويزداد تمكينها من التقرير وتستمر ارادتها المركزية المؤسسية في الانطلاق والاتساع على كافة أجندة إعادة التأسيس، ام سيبقي الحزب أسيراً يرزح تحت هيمنة تلك الروافع التقليدية المألوفة من القبلية والأسرية ولوبيات المصالح؟
لقد تجاوزت هذه الروافع التقليدية خلال المدة القصيرة الماضية أثناء تقديم المرشحين لشاغلي ولاة الولايات كل القيم والأعراف المألوفة في الحزب وتم إستخدام الكثير من الأساليب الفاسدة، وتم إختراق ارادة الحزب من خلال الاستعانة حتي بالخصوم السياسيين من أجل تمكين كواد تلك المجموعة في إطار صراعها من أجل التمكين والاستعداد لمعارك المستقبل.
إنها بالفعل معركة شرسة يجب أن يفوز فيها حزب الأمة وتتحقق إرادته الحقيقية النافعة وتتمكن إرادة التحرير والتطوير والإنطلاق. الارادة التي تخاطب المستقبل وتراهن على استمرار قوة تأثير الحزب في الوطن في المستقبل.
المستشار البشري عبدالحميد بالقطع هو خير من يمثل كل هذه المعاني والأهداف التي ظللنا نعمل لها كل حياتنا التنظيمية وسنبقى نعمل لها مهما كانت التحديات. وبالتالي فان عدم فوز المستشار البشري ستُبقي الحزب مكبلا تحت تاثير هذه الروافع بل ستؤدي لتمكينها وبالتالي ستجعل الحزب غير قادر على مخاطبة مطلوبات العهد الجديد. وهي بلا شك روافع متخلفة بمعايير الحاضر والمستقبل. ويجعلها العامل ومن شأن فشل إرادة التحرر والتطوير بالحزب ان يؤدي لفشل المؤتمر الثامن في تشكيل صورة الحزب بالشكل المطلوب ويجعله مكبلا في شكله القديم ويسجن كل فرص تحرره في قفل متين تحت حراسة هذه الروافع صاحبة المصلحة.
ويجعل محاولات إعادة التاسيس تكريسا أسوأ لما كنا ننتقده في الاداء بالحزب، الشئ الذي سيؤجل النقلة المأمولة ويبقى الحزب مكبلاً باثقاله القديمة..
والحبيب البشري بما عرف عنه من قوة شكيمة وتوازن شخصية وخبرة في إدارة الاختلافات داخل حزب الأمة وثقافة واسعة وتواصل مع كل الأوساط السياسية والثقافية الوطنية، وبما يحمله من رؤية لتعافى الحزب، وما يتميز به من تدرج في السلم التنظيمي حتى أصبح مساعداً للرئيس، (وليس قفزاً بالزانة) ، يجعله هو الأصلح والأنصح والأكثر ملاءمة لهذه المرحلة المحددة لما يجب أن يكون عليه شكل الحزب قبل وبعد المؤتمر الثامن وما يجب أن يعمل عليه من مهام في اطار إعادة التأسيس وفي اطار الاستعداد لخوض الانتخابات بعد الفترة الانتقالية..
الملاحظ لشكل الاصطفافات يرى عدم مبدئية في عدد من التيارات المتراصة في مواجهة إرادة التغيير بالحزب، حيث يجلس عدد ممن كانوا يملؤون الفضاء صراخاً بشعارات التحديث وارادة المؤسسات لكنهم الان يتداوون بالتي كانت هي الداء. هذه المعركة كشفت الحقائق ووضعت كل صاحب دعوى في موقعه الصحيح..