أصدر الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء قراراً بإقالة الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج.. المعروف لدى السودانيين اختصارا بـ(جهاز المغتربين)..
ليت الدكتور حمدوك أكمل جميله وأصدر قراراً حتمياً بحل هذا الجهاز كلياً، والاستفادة من مبانيه وأصوله وأمواله ومصروفاته في مكان آخر يستحق.. فهذا الجهاز تأسس منذ أول يوم على فكرة محورية هي استجلاب أكبر ما تيسر من أموال السودانيين العاملين – وغير العاملين- بالخارج.. وبدلاً من تيسير إجراءاتهم وحياتهم أو حتى انتقالهم من الخارج إلى الداخل كان هذا الجهاز أحد أهم الأسباب التي منعت كثيراً من المغتربين العودة الدورية في العطلات إلى أهلهم ووطنهم خشية الوقوع في شباك الجهاز المنصوبة بإحكام لهم..
وفي المقابل لا يذكر المغتربون للجهاز دوراً فاعلاً خاصة في القضايا المصيرية التي لاقوا فيها ظلماً مشبعاً بالصدود في كثير من الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها كأي مواطن سوداني بالداخل.
السودانيون بالخارج لم يكونوا مجرد مصفقين من على البعد للثورة المجيدة، بل كانوا وقودها الحقيقي بالمال والدعم والمؤازرة الأثيرية المباشرة التي أرهقت كاهل النظام السابق وهو يجتهد بلا جدوى لقهر أصواتهم القوية التي تأتي عبر المواقع الإلكترونية.. و لولا الدعم المالي المباشر من السودانيين بالخارج ربما لما استطاعت الثورة أن تتنفس طوال خمسة أشهر طويلة دامية وعصية..
وحتى بعد انتصار الثورة أبدى المغتربون حماساً كبيراً لدعم البلاد بالمال عبر الودائع أو التحويلات العادية، ولكن يبدو أن المواعين والمؤسسات المالية في بلادنا لم تعالج كل (الثقوب السوداء) بعد..
في تقديري يجب أن يذهب جهاز المغتربين غير مأسوف عليه إلى أرشيف التاريخ بعد حقبة طويلة من الإذلال.. وبدلاً عنه لا بد أن تنهض سياسات جديدة لا تميز المغترب عن المقيم بالداخل إلا في ما يجب أن يناله المغترب من امتيازات حقيقية لقاء ما يضخه في شرايين البلد من حصائل عرقه وعمره بين فرث ودم لبناً سائغاً للشاربين من أهله ووطنه في غربة قاسية بعيداً عن أرض الوطن.
شخصياً جربت حياة الاغتراب، وهي أقرب إلى حالة انتظار طويل على رصيف الأمل بعودة هانئة من أجل الاستقرار الأسري في الداخل.. لا يذوق المغترب احساس الحياة الاجتماعية الجميلة إلا في الأيام القلائل التي يقضيها بين ظهراني وطنه وأهله..
يجب النظر للمغتربين بأبعد من جيوبهم، فهم من خيرة الخبرات أو العاملين المهرة ويستطيعون أن يقدموا لوطنهم الكثير إذا استطاع وطنهم أن يستوعب حقوقهم وطموحاتهم وقبلها “كرامتهم”.