هناك هجوم كثيف على ميزانية مجلس الوزراء ، رغم الإيجابيات العديدة التي حملتها ملامح الميزانية التى اعلنها وزير المالية بالامس ، و في انتظار التفاصيل الكاملة سوف نبني دفاعنا ادناه على ما ورد في هذه الملامح و التي تعبر عن ملامح ميزانية طموحة و شجاعة ، و نشجع الشعب السوداني على دعمها حتى النهاية .
موازنة ٢٠٢٠ حتى الآن لم تحتوي ما يعد مؤشرا سلبيا سوى رفع الدعم عن المحروقات و هو ليس رفعا كاملا بل تدريجيا ، بينما احتوت على ما لا يحصى من الإيجابيات و أهمها التعليم المجاني و العلاج المجاني و التحويل النقدي للفقراء و التمييز الإيجابي للولايات المتأثرة بالحرب و زيادة الرواتب بنسبة ١٠٠ % و .. الخ ، فهل السلبية الواحدة هذه ستطفيء كل هذه الإيجابيات؟ مالكم كيف تحكمون !!
تقرير لحكومة المخلوع في ٢٠١٧ ذكر بأن 500,000 طالب في ولاية الخرطوم لا يتناولون وجبة الفطور . هذا في العاصمة و لكم ان تتخيلوا بقية الولايات و هي أفقر من العاصمة !! موازنة البدوي انتبهت لأجيال المستقبل حيث تضمنت توفير وجبة مدرسية لكل طلاب المدارس الحكومية في كافة أنحاء السودان . فهل هذه موازنة ضارة ؟؟
أحدهم اعترض على الاقتراض من البنك الدولي في المراحل الأولية للميزانية سألته من أين ستغطي الصرف على الميزانية ؟ قال لي كما قال خبراء قحت من : الضرائب + تبرعات المواطنين المباشرة للميزانية . اقول له و لخبراء قحت ان ٨٠% من الشعب السوداني تحت خط الفقر فكيف يدعم ميزانية كاملة بالتبرعات؟ من اين؟ و حتى اذا تبرع تأتي مرة أخرى لتأخذ منه ضرائب !!! موازنة البدوي بدل أن تأخذ من جيب المواطن سوف تدفع للمواطن ، من شهر يناير إلى شهر يونيو ستدفع 1500 جنيه شهريا لعدد 900,000 أسرة فقيرة ، و إذا الموارد زادت سوف يتوسع الدعم النقدي الشهري من شهر يوليو ليشمل ٨٠% من الشعب السوداني ، ألا هذا دليل مشجع ؟!!
الموازنة المعلنة سوف تواصل دعم القمح و بالتالي الخبز لن يتأثر، و لا تحتوي الموازنة على رفع الدعم عن الغاز و بالتالي نار الطبخ في البيوت لن تنطفئ . فقط سوف يتم رفع الدعم عن الوقود ، و هذه ليست سياسة سودانية بل هي سياسة عالمية ، و كمثال المملكة العربية السعودية و هي من أكبر المنتجين للبترول في العالم خلال العام المنصرم رفعت سعر البنزين ثلاثة مرات ، و عالجت ذلك بتقديم بديل نقدي لمواطنيها الضعفاء ، و هي ذات المعالجة التي يتبعها البدوي .
العصر الحديث هو عصر التنمية البشرية ، فالبشر هم من يقومون بالنهضة ، موازنة البدوي ركزت على هذا حين ركزت على التعليم و الصحة و محاربة الفقر ، و هذا هو الدرب الذي يضمن صعودا اقتصاديا مستداما للسودان ، بينما كانت موازنات الكيزان تركز على الأمن و الدفاع .
ميزانية البدوي شجاعة لأنها لا تريد أن تسوق الاقتصاد السوداني في نفس الوتيرة السابقة و التي أثبتت خلال الفترة السابقة من عمر الحكومة الانتقالية و خلال فترة المخلوع بأنها فاشلة تماما في إيقاف التضخم و الانهيار الاقتصادي ، إنما تريد أن تنطلق بالاقتصاد السوداني في الدرب الذي يتضمن مشروعات ضخمة تكلف كثيرا و لكنها في المدى الطويل تنهض بالاقتصاد و تقضي على العجز الدائم في ميزان المدفوعات .
الحديث عن ان الموازنة مدعومة من البنك الدولي ، حديث غريب ، و ما الضير في ذلك ؟ فليكن البنك الدولي شريك في الاقتصاد كما إن منظمة الصحة العالمية شريكة في صحة السودانيين، و كما إن الامم المتحدة و مجلس الأمن شركاء في عملية السلام بالسودان ، هذه مؤسسات عالمية ، نحن أعضاء فيها مثل بقية الدول و من حقنا الاستفادة من التسهيلات و المساعدات التي تقدمها للشعوب الفقيرة و الخارجة لتوها من أنظمة مستبدة لم تترك في خزانتها فلس واحد .
هناك من الناقمين من يشبه هذه الموازنة بموازنة رئيس وزراء حكومة المخلوع معتز موسى ، بينما الفرق واضح ، موازنة معتز كان يقصد من خلالها أن تحكم الانقاذ السودان إلى الأبد، بينما المقصود من ميزانية البدوي أن يخرج الشعب السوداني خلال الفترة الانتقالية من الانهيار الاقتصادي الذي حدث بفعل نظام المخلوع ، مميزانية معتز كانت تصرف ٧٠% على الأمن و الدفاع و لا تستطيع محاربة التجنيب ، بينما ميزانية البدوي تصرف على الصحة و التعليم و الخدمات و تحارب التجنيب .
كل الدول التي نهضت اقتصاديا لم تنهض خلال سنة او خمس سنوات و إنما على الأقل عبر ٢٠ سنة من استدامة التعافي الاقتصادي ، موازنة البدوي هي الخطوة الأولى نحو التعافي الاقتصادي الشامل و المستمر . نعم هذا التعافي يحتاج جراحة و لكن اذا لم تكن هذه الجراحة في ظل الثورة و في زمن التضحيات و التكاتف الثوري فمتى تكون ؟ اما ان نكون شجعانا و نبدأ رحلة التعافي الاقتصادي من الآن عبر هذه الموازنة ، او فلنجلس إلى الأبد بين الدول الفقيرة و العاجزة و المضطربة .
sondy25@gmail.com