أنت الخريف ترسم معالم الخضرة والخير والعشم.. انت الربيع تغزل شباك الإلفة يا روح الطعم
· ومن قال إن الرياض ستطاق بعد اليوم؟…والظل الظليل قد رحل والشجرة السامقة قد توارت الى الأبد. افتقدت الرياض رونقها. وبات الجميع فيها من أبناء وطني يبكون “الطيبة” وأي طيبة تجسدت في بشر؟ مثلما تجسدت في “أبي آمنة”؟
· مطلع نوفمبر 1999م وبعد أن قرعت باب الغربة بنحو عشرين يوماً التقيت بـ”أبي آمنة” بمعية الصديقين العزيزين ياسر أحمد الأمين “ابن اختي” وأحمد الصادق محمد رحمة. هنا بدأت مسيرة حياة جديدة وعلاقة فريدة مع شخص يختلف عن الناس في كل التفاصيل، كشكول من الأخلاق الفاضلة. وأطلس من الرحمة والكرم والنبل والأنفة والورع والصبر على طلب الرزق.
· فراغ كبير وجرح غائر تركته فينا .. لا ابالغ إن قلت لكم أن تواصلنا مع بعض عبر الاتصال ظل يومياً بلا انقطاع منذ أن عرفته حتى أعياه المرض وتآكل جسمه النحيل. “كيف العُقُب؟” عبارة اسمعها يومياً منه لن انساها ما حييت.
· ظللت أكرر لوكان رصيدي من الغربة معرفة “أبو آمنة” فقط فيكفيني هذا الشرف العظيم
· رحل “أبو آمنة” وخلف في أعماقنا حزناً تنوء بحمله الجبال الراسيات.. لواعج ألم وعلينا نتحملها عبرات عابرات والعشم …الملتقى الجنة.
· هل رأيتموه يوما غاضباً؟ أو يائسا؟ أو حزينا؟ وبربكم هل منكم من رآه يتحدث عن فلان أو علان؟ كل همه أن يعيش الناس في تسامح وتوادد وترابط. وكلما شعر هناك بمبادئ خلاف بين اثنين تحرك مسبقاً للمعالجة قبل أن يستفحل الأمر.
· لا أحد يملك صكوك دخول الجنة ولا مقامات البشر عند الله. ولكن طالما قال نبينا الكريم أن الناس شهداء الله في الأرض. فإنا نحسبك والله حسيبك بأنك من أهلها. كيف لا نشهد لك وسيارتك لم تخلو من ماء السقيا منذ أن عرفتك. كيف لا نشهد وأنت من المحافظين على صلوات المسجد المتعفف عن حقوق الناس الحريص على أكل الحلال.
· وعلى ذكر السقيا أحور لك أبيات من رائعة ميخائيل نعيمة (النهر المتجمد) وأقول ( يا أبا آمنة يا نهرنا هل نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير؟ أم قد مرضت وخار عزمك فانثنيت عن المسير؟)
· وقصة الصبر والجلد عند “أبي آمنة” هي نموذج يُحكي للأجيال عن إيمان الرجل بقضاء الله وقدره.. ثبات لم أرى له مثيل إلا عند ابن عمتي “عبدالفتاح بكري”. تخيلوا يوم ظهور نتيجة تحليل العينة ظل يتحدث معي نصف ساعة. وكانت مكالمة مليئة بالضحك والونسة والمزاح وفي نهاية المكالمة قال لي وبكل بساطة أن النتيجة طلعت وظهر “ورم خبيث” في الكلية. يحدثني وكأن المرض عبارة عن صداع أو ارتفاع حرارة أو كحة. تخيلوا أن الرجل يضحك معي نصف ساعة ثم يختم لي المكالمة بهذا الخبر هل رأيتم ثباتاً كهذا؟ هل رأيتم إيماناً وتقبل للقضاء والقدر كهذا؟. حكيت هذه القصة في وقتها للمهندس عبدالمنعم عمر رئيس رابطة ابناء منطقة الحلاويين فقال لي: انت ناسي إنو ابو آمنة ده فوق ايمانو إنو حفيد ود حبوبة؟
· قال تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) فأسأله تعالى كما ثبته في الدنيا عند البلاء والشدة أن يثبه في الآخرة ويحشره ومن يحب في جنة عرضها السموات والأرض.
· كان مهتماً جداً بأسرته وبناته وبشكل يشعرك بالتقصير تجاه أبنائك.. كثيراً ما يوعدني عند البريد السريع “في شارع غبيرا” وعندما أصله أجده يعبئ أكياس “العثيم وبندة” في الكراتين ليشحنها إلى السودان. ومن يرى مافي داخل الأكياس يشعر أن هذا الرجل متسوق لأغراض البيت وكان عائلته معه. حتى تفاصيل الغذاء البسيطة يشحنها بالبريد يقول لا أتحمل أن ينقص بناتي شيئاً.
· اللهم إنا نشهد أن عبدك محمد أحمد مصطفى كان عفيف اللسان شهماً كريما مقداماً ومحافظاً على صلواته في المسجد ومساعداً للناس، وساعياً للخير والمحبة والسلام. وصابرا على البلاء ومحتسباً طوال فترة مرضه “3 سنوات” اللهم فجازه عن هذا خيراً واجعل المرض كفارة لذنوبه وتجاوز عن تقصيره وأحشره مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.
· ..نستودعك الله “مؤقتا” يا أبا آمنة وضراعاتنا لن تتوقف حتى نلتحق بك “إن كتب الله لنا” في رحاب الجنان بل رجاؤنا أكبر في الإله أن نلقى أهلنا واحبتنا ممن بارحوا دنيانا.
· اللهم نسألك أن تحفظ بناته وزوجته وأن ترزقهم الصبر الجميل وأن تجمعهم به في أعالي الجنان بعد عمر مديد في سدر مخضود وظل ممدود وماء مسكوب. وأن توفقهن في رحلتهن التعليمية وتيسر لهن أمر الحياة وتحفظهن من كل سوء.
رفيقك محمد صديق رحمة الله.