أستاذنا فضل الله محمد.. سيذكر لك التاريخ أنك أحد بناة نهضة الصحافة السودانية، فلقد أرسيت قيم المهنية فى وقت غيبها آخرون سعياً إلى الانتشار، وتحقيق الأرباح، وأعليت من شأن أخلاقيات المهنة. وطوال ست سنوات أمضيتها تحت رئاستك لمجلة السودان الجديد ما طلبت منا شيئاً يخرق أعراف وتقاليد العمل الصحفي. ولقد حققت الانتشار والألق والسبق لمجلة السودان الجديد دون مساس بالقيم، فكان لها سبق لقاء قمة الغناء السوداني الراحل صالح أبوقرون من “صلاح ابن البادية” بمنزله بشمبات، وكان لي شرف إجراء ذلك اللقاء معه، وكان عنوانه من” البادية لاضواء النيون”.
وكان للمجلة سبق وشرف إجراء لقاء هاتفي مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم حول اغنية” أغداً ألقاك ” للراحل الشاعر الرمز الهادي آدم صاحب ديوان “خوخ الأشواق”، وحمل ذلك اللقاء عنوان”غداً تشدو كوكب الشرق بأغنية لشاعر من بلادي”، ولقد وثقت ذلك فى كتابي”مداد قلم” الذي انتهيت من مراجعته لغوياً.
وكان الراحل فقيد الوطن يتمتع بأفق ورؤية عميقة للأشياء، وهو من الملتزمين بالمهنية وأخلاقياتها، وقد أكسبته خلفيته بوصفه قانونياً وشاعراً التميز، وهو من أصحاب الطرح الصحافي العقلاني في كتاباته القومية والوطنية، وإلى جانب كل هذا فهو كاتب عمود متفرد ومتميز وعميق الطرح والرؤى، ويجيد كتابة الافتتاحية، وهو عمل لا يستطيع أي صحفي القيام به.
ولقد استفدت كثيراً من تجربتة والتزامه بالمهنية وخبرته وحسن تعامله، وقد كافاني على أدائي المتوافق مع رؤيته
بأن عينني سكرتيراً لتحرير مجلة السودان الجديد بعد عامين 1972 م، مشيراً فى خطاب التعين إلى أنني ظللت من التحاقي بالعمل بالمجلة أقوم بمهام سكرتير التحرير.
وكانت السنوات الست التى مضيتها بالمجلة من السنوات النواضر والزاهية فى مسيرتي الصحفية.
وللراحل مساحة فى كتابي مداد قلم ضمن رموز وطنية أفردت لها حيزاً؛ ليعرف الناشئة من هم وماذا قدموا لوطنهم ولمهنهم.
لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ولا نقول إلا ما يرضي الله: ” إنا لله وإنا إليه راجعون”.