فى مثل هذا اليوم من ست سنوات، غيب الموت المناضلة الحديدية التى لن تتكرر سعاد إبراهيم أحمد، أول امرأة تقود المقاومة ضد إغراق حلفا، وأول امرأة تعلن الإضراب عن الطعام فى سجون الدكتاتور العميل النميرى، بكل جوارحها وطاقتها، كانت تصرخ ضد الاستبداد، وتحرض الآخرين على عدم الاستكانة.
أرسلت فى طلبى ذات يوم لكى أراجع خطاباً تعتزم إرساله إلى أعضاء لجنة سد كجبار، وكنت أظن أن الخطاب سيعنون إلى رئيس اللجنة، لكن وجدتها تشدد على تسليم الخطاب لكل واحد بالاسم فى يده، والخطاب تقول فيه من دون لكلكة: ساكتين ما لكم، منتظرين شنو ..هل رأيتم البشير فى التلفاز، وهو يعلن إلغاء قرار تشييد السد؟
بعد مرور نحو ربع قرن على تلك الواقعة، يمكننى القول إن ذلك الخطاب كان نقطة التحول نحو المقاومة الشعبية الحقيقية – بالأحرى كان الشرارة التى لم تنطفىء إلى يومنا هذا!! ثم رأينا بعده السيل ينهمر على نافوخ الكيزان وأعوانهم دعاة التدمير والتخريب فى المنطقة … راحوا يسألون النساء فى المنطقة: لماذا يرفضن السد .. ويأتيهم الرد: سيدة من حلفا اسمها سعاد أرسلت لنرفض السد جملة وتفصيلاً لكيلا نكرر ماساة حلفا، ونصبح نادمين !!!
وذات النساء يرسلن كل عام صفائح عجوة المحس التقيل لسعاد مع جواب بعلم الوصول .. والتشبيك يشتغل على أصوله، وسعاد خبيرة الإحصاء تجمع أي شاردة أو واردة من معلومات عن حياة أولئك النسوة فى ذلك الجزء العزيز من الوطن، ويزورها فى بيتها ناس من دلقو، وتتحدث إليهم سعاد بلغة الأرقام عن عدد المواليد وعدد النساء الحوامل فى بلدهم فى ذلك العام، ويخرجوا من بيتها مندهشين!!
قدمت سعاد الغالى والنفيس من اجل تقوية البنية التى نراها اليوم تقف بصلابة ضد سدود النيلى النوبى، بنية إزالة الأمية الأبجدية، وبنية التشبث بالأرض .. وبنية المقاومة التى رفعت شعار إسقاط النظام، ونفذته بنجاح يكيد العدا، شعلتك يا سعاد تلقفتها نساء ورجال وشباب من الجنسين فى السودان ولا خوف عليها ولا يحزنون، ستكون متقدة أبد الدهر؛ لأن لا احد يستطيع كسر إرادة حامليها !!!