يطل علينا عام جديد، عام نأمله خيراً وبركة على وطننا،
وشعبنا الصابر، وعلى بلادنا العربية التي أنهكها عدم الاستقرار السياسي، وتلاعب
الآخرين بمصائرها، وقد غابت عقول كثيرين منا تحت مخدر السلطة، ومغرياتها، وتحت
وطأة التعصب العقدي والديني والمذهبي والجهوي، حتى غابت مبادئ التكافل والتسامح
والتعايش، وقد كانت تميزنا من غيرنا، بحكم أنها من جوهر ديننا الحنيف، الذي اتخذه
المتعصبون سبباً للفرقة، وهو الذي جاء رحمةً للعالمين.
تبدو بشريات العام الجديدة في سودان ديسمبر رائعة،
وباعثة على التفاؤل، ولعل الحكم على الأيادي الآثمة التي أودت بحياة المعلم أحمد
خير بالإعدام يسري الحياة في ربوع الوطن، وقد استظل بالقانون، وحقق شرط العدالة
التي مثلت ثالوث مطالب الثورة مع الحرية والسلام.
ودولة القانون هي التي ننشدها لبلادنا، حتى نقضي على
أسباب الاستعلاء والتجبر، ويصبح الناس سواسية، والمواطنة هي المعيار والأساس، فلا
قبلية ولا جهوية، ولا تفاضل بالمال والنسب، وإنما بمقدار الانتماء للوطن أرضاً
وشعباً، والتعبير عن ذلك بالإخلاص والتفاني في العمل، وفي كل ما يحقق رفعته، ورفاه
أهله.
ومع هذا التفاؤل بالعام الجديد، يبدو من المهم التخلص
من أدوائنا السودانية، ومن أهمها ترف الصراع الحزبي الضيق، وتربص الأحزاب بعضها
ببعض، والتسابق المحموم من هذه الأحزاب والشخصيات لتولي المناصب، والاستحواذ على
أكبر قدر منها، في ممارسة لا تشبه الثورة العظيمة التي كان مهرها الدماء الذكية
التي سالت، والنفوس التي أزهقت، والأحزان الدفينة في نفوس كثير من الأمهات والآباء
لفقدان عزيز، أو لعاهات وأمراض لحقت بفلذات الأكباد، وأحالت حياتهم إلى جحيم مقيم.
وقد يكون في
حصد ثمار الثورة بتنزل أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها واقعاً يحيونه ويلمسونه، ولو
رويداً رويداً السلوى، والصبر، والنظر بعين التفاؤل إلى المستقبل.
إن التكالب على السلطة وتقديم العاطلين عن قدرات
القيادة وتحمل المسؤولية إلى مراكز صناعة القرار وإدارة حياة البلاد والعباد سيمثل
انكفاءة ونكوصاً عن العهد الذي قطعناه على أنفسنا للقضاء على دولة الكيزان بما
اتصفت به من إقصاء، واحتكار، واختطاف الوطن، والاستئثار بثرواته، واللعب بمقدراته
من أجل فئة ضئيلة في المجتمع، على حساب فئاته وألوان طيفه المختلفة.
ونثق في أن السودان زاخر بأبنائه ذوي الكفاءات
والقدرات العالية في كل المجالات، وهذا ما يتيح مجالاً واسعاً للمفاضلة والاختيار،
وصولاً إلى الأنسب، الذي سيكون عوناً للحكومة الانتقالية لتؤدي دورها التاريخي بكفاءة
عالية، ولتسير في سكة السلامة التي ستجعل لها مكانة سامقة في ذاكرة الوطن، وفي
صفحات تاريخه، بدلاً من أن تكتب على نفسها الشقاء بالسير في عكس اتجاه الثورة ومبادئها،
وهو بلا شك سكة الندامة التي لا نريدها لهم، ولا لبلادنا.
كل عام والوطن وأنتم في سلام وأمن ورخاء.