بعيداً من صداع طه الفريق، ومعتمد أم درمان، ومعتصم جعفر، وعبدالرحمن سرالختم، وأبوقردة، وكاشا، وإيلا، وغيرهم من الذين يجلبون لنا التعاسة، وبعيداً من كل أنواع القرف والإحباط، ومسبباتهما، أود أن أتشارك السطور الآتية، التي أعجبتني مع أن عمرها تجاوز السنوات الثلاث، مع من يتكرم بمطالعتها.
بعض أبيات من قصيدة بعنوان “نرجسة السودان” كتبها الشاعر اللبناني الدكتور حسن نورالدين في وداع الشاعر ممحمد الفيتوري :
بالأمس مضى
من دون ضجيج أو صخب وسؤال
لم يسمع أحد عن موت الشاعر
في مدن الأدغال
عن موج النيل السيال
وهو يودع آخر أشعاره
وحدة دولته وبنيه
سودان القهوة والهال
لم يأخذ شيئاً معه
إلا حفنة تراب وظلال
باقات من ورق السنط الميال
لفت جسداً في شال
غزلته بإبرة شعره كفاه الشاعرتان
نلسون مانديلا الشعر
أعلى صوت شق التمييز القاتل
بين الألوان
بين الحرية والحرمان
من عمق القارة
أهدى وطنه حلم الأجيال
وقصائد من غزال
شام في خد السودان
ومحار أسود يمكث في الألحان
شق بأغانيه الثورية
عنق الطغيان
ملامح الأعماق هو وأمضى ربان
فيتوري النهر العاشق
فلاح شجيرات الفستق واللبان
ليث الغابات الخضراء
قال وداعاً ويداه المرتجفتان
تخطان دمه
وقصائده من وحي البال
وكأن هو راو يحصي تاريخ
الرمل بذاكرة الصلصال
وخصام الرمل مع البحر القتال
**************
وأدونيس استبق مجتمعه بقراءة مبكرة في دفتر الربيع العربي :
من كان يعرف أن “الربيع” قبر يفاجيء الإنسان في زاوية، أو مفرق أو منعطف؟ في مدرسة أو جامعة أو في سرير النوم؟”
من كان يعرف أن “الربيع” هو نفسه يؤكد أن الناس حيثما وجدوا، في المدينة أو الريف، ليسوا إلا زرعاً للحصاد وثمراً للقطاف؟
من كان يعرف أن “الربيع” ارتجال مسرحي للإرهاب والقتل أسند العالم كله مهمة ابتكاره وتمثيله إلى بعض العرب وبعض المسلمين؟
من كان يعرف أن “الربيع” مصنع لفنون كثيرة ومتنوعة بينها فن كهربة الأجسام البشرية، وفن التلغيم، وفن
التفخيخ، وفن التفجير، وفن الذبح – وهذا كله احتفاء بالتأسيس لديمقراطية مضيافة “يطبخ” فيها العصر،وتقام
باسمها الولائم الفريدة التي يتمازج فيها لحم الأمكنة ودم الأزمنة،ويتعانق فيها الشرار والغبار،الخراب والكتاب؟
Khamma46@yahoo.com
(نقلا عن مجلة “دبي الثقافية” الشهرية، العدد 108، مايو 2014)