بسم الله الرحمن الرحيم
…من سوالب السياسة في السودان ، أنها تنهض على أرضية الأيديولوجيات المعتمدة على قانون: أنا أو أنت ( اليسار واليمين ) ، فلا مجال لنكون معاً . ذات خيارٍ واحدٍ ، إما هذا أو ذاك..( إنه قانون الشيء وضده ) فيجب أن تنعدم معه أي حالة أخرى طالما أنها كانت مناوئة أو تتسم بلون وطعم ورائحة ليست هي تلك التي تتسم بها حالة الحزبية الأخرى وهي نتاج الحالة الواحدة التي تتسيد أي بلد لم يصل مرحلة الإستقرار السياسي بعد ، وهي حالة الرياضيات ذاتها ؛عندما تجمع المعادلة قيماً سالبة وأخرى موجبة ، فإن نتيجة جمع هذا النموذج ، صفرية بامتياز ، ولنكن أكثر وضوحا عندما يكون أي بلد محكوم بحزب أو حكومة جاءت عن طريق توليفة أحزاب كلهم في النهاية منضوون تحت راية سياسوفكرية وسياسوثقافية وسياسواجتماعية واحدة ، فإن هذا يعني أن كل السياسات الوطنية تقوم على نظام الفعل و رد الفعل لأن السياسات التي طبخت إنما جاءت بناءً على رد فعل المعارض المدموغ بالتخوين والمعاداة للنظام القائم ، وبالتالي ففي السياسات التخطيطية أشياء جاءت عبر هذا التفكير الإستباقي لرد فعل هذا العدو المعارض ؛ فتخوفاً من أي خراب أو فعل يمكن أن يقوم به من قبيل أعمال لإسقاط الحكومة مثلاً، هنا فإن مايذهب للأمن الداخلي من الميزانية العامة للدولة سيكون أعلى بكثير من قطاعات مهمة مثل التعليم والصحة ، وهو كذلك. فإن المعارضة اليسارية وغيرها من معارضات ذات الأيديوجيات فإن ماتبني عليه الحكومة من سياسات الفعل ورد الفعل ، هو صحيح بالتمام ،
فكل هَم المعارضة الحقيقي هو العداء الصارخ للحكومة ذات الأيديولوجية اليمينية ( طبعا المعارضة الحقيقية في السودان هي تلك التي لا تشترك مع الحكومة في أيديويوجيتها الفكرية والدينية .وما تسمى بمعارضة وهي في نفس النهج والأيولوجيا فكثيرها معارضة مصنوعة مثل الكثير من أحزابنا في السودان فقد كانت من صناعة النظام نفسه ) ..هذا النهج لا طائل منه لشعب ينتظر النهضة والتقدم والنمو ، و حالتي اليمين واليسار تولدان عداءً سياساً يستمر مااستمرت حالة القطبية و الثنائية العدائية هذه ،
فحالما تكون مقاليد الأمور بيد أليمين يكون الشغل الشاغل لليمين نفسه أن يعمل كل جهده لإقصاء اليسار وتطهير كل تفاصيل الحكم من شيء إسمه اليسار بشتى الأساليب التي يتفنن في إبداعها ليكيد لعدوه اللدود طرداً وتشريداً وإهمالاً وفصلاً من الخدمة العامة وإحالة أصحاب الوظائف العامة في الدولة وخاصة ذات المواقع الإدارية والسياسية المهمة والمرتبطة بصنع القرار و التنفيذية حتى في القطاع الخاص وبالخصوص المواقع الأمنية العسكرية بكل أنواعها والإعلامية المختلفة والمالية المهمة لمنسوبي الحكم القائم ليكون التمكين الظالم على أبناء الوطن ، وقد رأينا من تجربة الإسلاميين في السودان كيف أنهم قد أعملوا التمكين لمنسوبي الحركة الإسلامية وقد شاهدنا واستمعنا لتسحيلاتهم التي بثتها قناتا العربية والحدث أنهم جعلوا من السودان ملكاً للحركة الإسلامية فأخذوا يحيكون الخطط ليجعلوا الحكم في ديمومة محتكرة لهم ورغم أنهم متكلمين باسم الإسلام والدين إلا أنهم أغفلوا بديهية تشكل مرجعاً لمن يطمع في حكم : وهي إستحالة دوام الحكم وهذا من مقررات الإسلام ذاته ومن بديهيات تجارب الحكم في العالم منذ القدم وحتى لحظتنا هذه ففصلوا الآلاف من السودانيين سيما من الأحزاب المناوئة ممن ليس معهم أو ممن يناصبهم العداء كاليساريين مثلا ًو ممن شايعهم ، أو ممن ليس من الإسلاميين ( ٦٠٠ ألف موظف فُصلوا فور تولي الحركة الإسلامية للحكم في السودان ) ، ملايين الناس شردوا ليعيشوا خارج السودان ، أفضل العقول السودانية مشردون بين مدن وعواصم العالم بين الخليج وأروبا وأمريكا وآسيا…كل ذلك وغيره ليس لأجل شيء سوى لأجل أن يظل الحكم تحت قبضة الإسلاميين دون أن يقنعوا الشعب أنهم أجدر بالبقاء فبعد عشرات السنين يكتشف الشعب كله أنه كان يعيش تحت عملية تخدير عملاقة ممنهجة وعميقة سرت في الجسد السوداني لعقود توالت فأعمته شعاراتها البراقة الخداعة عن عورات التجربة الفاشلة..فكانت النتيجة الكارثية أن السودان كانت تحكمه شلة لا علاقة لها بالإسلام الوسطي الحق الذي يعلم الناس مبادئ الديمواقراطية والتعامل مع الشعب بالحق والشفافية دون احتكار أمر الناس لفئة قليلة من جموع الناس..
ليته كان اْحتكاراً بالإقناع عبر بسط الخدمات وتوفير العمل وتهيئة البيئة للنشاط الإستثماري وبذل الجهد لمحاربة الفساد بكل شفافية وإشاعة العدل بين الناس واللهث الحقيقي لتحقيق السلام في أركان السودان..لكن في نهاية العقود الثلاث إكتشف السودانيون عملية التخدير فكانت هبة ديسمبر المجيدة..
..