بعضهم يرفض مبدئياً كل تعديل وتغيير يطرأ على أجيال الشباب ، وينتقد بمرارة حالة السلوك الذي لا يتناسب وما تم التعوُّد عليه من موروثات تتمركز حول نشاط وفاعلية الشباب مع المجتمع وحراكه اليومي ومشكلاته المتجدِّدة ، لكن بعض تلك الإتجاهات العدائية والمتطرفة في رفضها لما إستجد في أمر الشباب والجيل الحالي تنطلق في خطها (النقدي) من منطلقات تتعلِّق بتحيُّزها العاطفي تجاه إنتمائها للحقبة الزمنية التي إحتوت زكريات شبابها ، وهي في هذا الإتجاه يفوت عليها ما كان يجيش بصدور آبائهم ومن كانوا يكبرونهم سناً من توقفات وتذمر بخصوص بعض الإتجاهات والسلوكيات التي كانت في ذلك الحين تُصنَّف شبابية وشاذة في ذات الوقت ، وذلك من باب عدم إتساقها وتماشيها مع الإتجاهات الثقافية والسلوكية لمن كانوا يكبرونهم سناً في ذلك الوقت وينتمون إلى حقبة زمنية سابقة ، وهكذا يكون الأمر لأن سنة الحياة وطبيعة ما جبل الله عليه الكون هو التجديد و التطوَّر والإختلاف ما إختلفت وتبدَّلت البيئات والإهتمامات والمؤثرات وأحياناً الإحتياجات ،
فما بالكم يا (كهول) اليوم وشباب الأمس ، تستغربون إتجاهات الأجيال الشبابية المعاصرة حين أصبحت مغايِّرة ومختلفة عما كانت عليه في أزمان سابقة ، خصوصاً وأن ثورة الإتصالات الإلكترونية وتوفَّرها بتكاليف معقولة أسهمت كثيراً في حصول هذا الجيل على فرص مهمة في مجال التأثير والتأثر الثقافي المتبادل كظاهرة عالمية ، لا تقبل المقاومة ولا يستطيع كبح جماحها حتى الحكومات ، لذا من رأيي أن ندع الشباب يحلقون رؤوسهم كما يحلوا لهم ، و أن يلبسوا ما يستسيغون وأن يتفاعلوا مع الإبداعات والثقافات التي لا تمت لموروثاتنا وتقاليدنا بصلة ،
لأن هذا يندرج تحت بند لا بد من ما ليس منه بد ، صحيح في الإمكان جذب الشباب إلى قيَّمنا المحلية وإتجاهاتنا الثقافية الوطنية المحضة عن طريق الإعداد المتقن والجاذب لقوالب تحتوي منتوجنا الثقافي والفكري والإبداعي ، لأن أمر طرح المنتوج الثقافي المحلي أو حتى الإقليمي في عالم اليوم الذي أصبح أصغر من قرية بفضل ثورة التواصل السريع والدقيق ، سيتسم أو إتسم بالفعل بحِدة عالية في التنافس على إستجلاب أو إستقطاب المجتمعات والشعوب لصالح دعم الإستراتيجيات السياسية والإقتصادية والثقافية التي تصب في بوتقة مصالح تلك البقاع التي تنتج وتسوِّق لثقافتها ، إذن فالصراع الدولي القادم هو صراع الثقافات الأممية وليس الحكومية ،
كل ما علينا فعله تجاه شبابنا هو حمايتهم مما هو ضار من تلك الثقافات بالمزيد من الوعظ وتوسعة مداركهم المعرفية والأخلاقية ، فضلاً عن أهمية توفير بدائل محلية تتمثل في إنتاج ثقافي وفكري وإجتماعي (نزيه وغير موَّجه) تقوده منظمات المجتمع المدني والدولة معاً ، على أن يكون مرتبطاً بالأدوات والوسائل التي يتعامل معها شبابنا بكثافة وأهمها وسائط ووسائل النشر الإلكتروني عبر الشبكة العنكبوتية .. دعوهم يعيشوا زمانهم .