ثم ماذا يدعو للعجب؟!
في مهاجرنا العريضة لعب السودانيات والسودانيون دورا عظيما طيلة حكم الانقاذ، لم ينكفوا رغم ضغوط الحياة في اوربا، أمريكا، كندا، استراليا والمهاجر الاخرى بل قاوموا بكل الوسائل السلمية.
يظل دورهم في ثورة ديسمبر 2019 هو الاكثر تمييزا حيث لم يحدث ان كان تماسكنا في مهاجرنا كما كان حين هب شعبنا الملهم فخرجنا نعكس للعالم ماحدث وما يحدث. لم نكتف فقط بذلك بل كان الدعم المادي ابان الاعتصام مشهودا لعدد كبير.
ماذا يوجد مثلا في النمسا يدعو للتداعي؟ هو ذاته ما يوجد في بريطانيا، كندا/ استراليا/امريكا وبقاع أخرى. كل ذلك يحتاج للتوثيق واعمل على ذلك بأخذ نماذج مشرفة بالتركيز على بعض هذه الدول.
بالنمسا يوجد عدد كبير من السودانيات والسودانيين، معروف ان عدداً كبيراً من الاسلامويين موجودين ليس فقط في النمسا وانما في دول اخرى واخطرهم الانتهازيات والانتهازيين. ورغم ذلك نظم المعارضون من النساء والرجال صفوفهم ابان الثورة واذكر على سبيل المثال ( تجمع السودانيين بالنمسا) الذي عمل مع تجمع السودانيين بالخارج موحدا الهدف لهزيمة نظام الانقاذ، و مبادرات متفرقة من قروب السودان الحر، ودور افراد لا يمكن ان ننساه والدور العظيم لكنداكات النمسا اللآتي نظمن صفوفهن فكانت وجوههن ثورة تهدر من فيينا للسودان: حرية سلام وعدالة.
في النمسا على سبيل المثال يوجد مبني الامم المتحدة ويوجد ( مجلس الامن الاوربي) والعديد من المنظمات العالمية التي عكسنا لها ما يحدث داخل السودان خاصة ان حكومة السودان السابقة كانت عبر وزير خارجيتها على صلة مع اشتراخا نائب المستشار السابق الذي يتبع للحزب اليميني المناهض للهجرة فكان هناك مؤتمر صحفي شاركت فيه برلمانيات وساهمت منظمات مثل منظمة التنمية للحوار والتنمية العالمية التي تعتبر من كبرى المنظمات الاوربية واكثر تأثيرا في صناعة القرارات.
كان يهمني بشكل خاص وعبر علاقاتي بالمجتمع النمساوي ان يتم التأثير في الرأي العام عبر سودانيات وسودانيين متمكنيين اثق فيهن وفيهم وفي رؤيتهم وتمثيلهم لصوت الشارع. قبل الثورة وفي توثيقي لدور المنظومات النمساوية لدعم قضايانا بالسودان لم يكن هناك اهتمام يذكر، وكثيراً ما انتقدت هذا التجاهل وان التضامن مع قضايا حقوق الانسان لايحتاج بالضرورة ان تكون هذه الدولة المحددة شريكة في برامج التنمية، فالسودان ليس احدها ولكن مع المتابعة والاتصالات بدأ الاهتمام يتسع، وكما لفتت ثورتنا السودانية كل العالم لفتت النمسا، ولكن تحركنا عبر علاقاتنا المختلفة وتشبيكنا مع المنظمات الفاعلة بدأ التفكير من حيز التضامن النظري الى الفعلي، وكم كانت فرحتي كبيرة حين قررت منظمة مثل المنظمة الفيناوية العالمية للحوار التنمية بتنظيم فعاليات كنت شخصيا جزءاً منها، وبدأت بجلسة مصغرة شارك فيها السفير النمساوي المسؤول عن القرن الافريقي ومهتمين من وزراة الدفاع اضافة الى ممثلين لمنظمات اخرى. توج هذا العمل بندوة جماهيرية ومعروف ان ندوات هذه المنظمة يكون حضور جمهورها فوق المائتين واغليهم من المؤثرين في الرأي العام على المستوى الأوربي.
تمثل دوري في ترشيح من رأيتهن/ رأيتهم صوتا حقيقيا للشارع، ليس عشما بل انه حقهم بما قدموه في مسيرة النضال الطويلة عموما والثورة خاصة وتسهل الاتصال ببعضهم وذلك قبل تكوين الحكومة وكان اول من قدمنا له الدعوة فيصل محمد صالح قبل ان يكون وزيرا، ولكن تصعب الامر بعد استلام مهامه واعتذر برسالة للمنظمة وهذا سلوك يشبه ثورتنا والتزامنا تجاه كل من يدعمها.
بعدها بدأت المعاناة، معاناة ان تتواصل مع من رشحتهم، كان هناك تخوف من البعض حتى ان يرسلوا لك تلفون احدهم وآخرون لم يردوا حتى على الايميل سلبا او إيجابا ولم يقرؤوا حتى الرسائل على الماسنجر او الواتساب، هذا لم يكن ( شيئا عجيبا) فحسب بل أمراً محزناً ومحبطاً رغم كل التقديرات التي نعرفها عن الاوضاع التي سبقت فض الاعتصام والمجزرة التاريخية ومع ذلك نحن لا نعيش في جزيرة معزولة وفي مهاجرنا الممتدة هناك ما يدعو
( لنتداعي) سياسيا دون ان نسخر بصيغة سؤال ماذا فيها حتى نتداعى؟! فيها من شردتهم الانقاذ ولم يتوانوا ان يهتفوا امام مبني الاتحاد الاوربي في درجة حرارة عشرة تحت الصفر، فيها اجيال جديدة بوعي مختلف وفيها شعوب مختلفة انحازت لثورتنا… فيها ما فيها من انسانية ومواقف نبيلة ومظاهرات ووقفات ودعم لاسر المعتقلات والمعتقلين والشهداء طيلة فترة الثورة واعتصام القيادة.
ليست النمسا وحدها بل كل دول اوربا، كل دول العالم التي خرجت تهدر لاجل وطن حر ديمقراطي، فيها ما فيها، فيها ان القرارات التي يتم اتخاذها بشأن بلدنا تنبع من هذه اللقاءات والحوارات والندوات الجماهيرية وهذا شيء بديهي يعرفه الكثيرون. إيماني بقدرات من رشحتهم هو ما دفعني لكتابة هذا المدخل (لتداع سياسي) قادم.
ايماني بقدرتهم في التأثير في هذه القرارات التي تتأخذها أوربا كان كبيراً وسوف يظل كبيراً، فالامر عندي لا يرتبط بالشخوص وفقط وانما بالهدف الذي يحقق جزءاً من استقرار بلادنا.
نعرف دور الميديا الاجتماعية في دعم الثورة السودانية وانها سهلت الكثير من التواصل والرد على رسالة لا يكلف سوى بضعة دقائق كما فعل فيصل محمد صالح، وما قامت به نجدة منصور التي قدمنا لها ايضا الدعوة ورغم صعوبة الاتصال الا انها لم تتوان لحظة في الرد على رسائلنا. تنظيم ذلك ليس صعباً، وان يكون هناك بريد مثلا تتم متابعته بانتظام والرد على الرسائل ايجابا او سلبا لكن ان يتم التجاهل من البعض فهذا مؤشر سلبي في تشكيل علاقاتنا السياسية مع جهات نافذة في اوربا مستفيدين من وجود المهاجرات والمهاجرين خاصة الذين نفذوا الى اضابير البلاد التي احتوتهم حين شردتهم الانقاذ. هذا النقد بهدف البناء والتسويق للثورة.
كل هذا دفعني للكتابة عن دور الدياسبورا السودانية لدعم (التحول الديمقراطي واعادة بناء السودان) وهو عنوان الندوة التي قدمتها قبل فترة في برلين بدعوة من منظمة المانية داعمة لهذه الاهداف، ومن ثم شرعت في توثيق كل ذلك وتحليله بمنهج علمي ربما يتم استثمار هذه الطاقات لاجل التغيير المنشود، وهذا ما انتبهت له بعض المنظمات الاوربية للاستفادة منها في بلؤرة الرؤى السياسية المختلفة التي تسعى لدعم الحراك الاجتماعي.
هذا دورنا وواجبنا تجاه بلادنا ولا نحتاج تمجيداً.. كل مانحتاجه ان يكون (التداعي) السياسي الفاعل والفعال احد شروط خروجنا للآفاق التي قامت من أجلها الثورة، وهذا يتطلب ضمن ما يتطلبه الاعتراف بالدور الذي قام به السوانيون من النساء والرجال المهاجرين في منافحة نظام الاسلامويين والتغيير المرتجى.
مازلنا في يداية طريق النار والخطر يحيق يالثورة من كل اتجاه ووعينا بذلك يجعل هذه النيران محتملة.
فيينا العاشر من يناير 2020