هنالك من لا يفرقون بين الثورة و التغيير التدريجي ، فالثورة سريعة و حاسمة ، بينما التغيير التدريجي سهل و سلس ، انتصار ثورة ديسمبر يستوجب قرارات حاسمة و سريعة في تفكيك التمكين في كل المجالات و من بينها المجال الإعلامي الذي سيطرت عليه القدرات المالية و الأمنية لنظام المخلوع ، حتى بات خال الرئيس المخلوع الطيب مصطفى يتقلب بين الصحف من الانتباهة إلى الصيحة رئيس إدارة و كاتبا و هو في الحقيقة مجرد موظف بريد عادي و لولا سلطة ابن اخته لعاش عمره يكابد البحث عن الرزق في الخليج و لما سمع به أحد .
منذ أيام الديمقراطية الثالثة و الكيزان لهم هوس بالإعلام، و يقدرونه جدا ، و كان سلاحهم الذي استخدموه في مهاجمة الديمقراطية الثالثة ، و لذلك حين انقلبوا على الشرعية الديمقراطية سارعوا إلى تكوين مؤسسات الإنتاج الإعلامي، من أجل بث خطابهم الإسلاموي و حرق المعارضين ، هذا غير سيطرتهم أمنيا و معلوماتيا على الصحف و الصحفيين ، حتى صارت السلطة الرابعة في عهدهم مجرد سلطة تابعة إلا القليل .
سعت الانقاذ لمحاصرة الإعلام الوطني الحر من خلال الرأسمالية الكيزانية و من خلال الكوادر الكيزانية الإعلامية المصنوعة ، هذا بجانب التضييق الأمني على الصحف و الصحفيين ، و منع الصحف الحرة من الاعلانات الحكومية و إيقاف و اعتقال الصحفيين الشرفاء .
لا يمكن أن يتم التساهل مثلا مع الصحفي الكوز الذي كتب مرثية كاملة في البشير ، بعد ان أطاحت به الثورة ، فهذا الصحفي واضح انه يستهين بالدماء و التضحيات و لا يقيم وزنا لأرواح الشباب و دمائهم الطاهرة التي سقت ارض الوطن و يجري لاهثا خلف هذا الدكتاتور الدموي .
الإعلاميين الكيزان الذين صنعوا امبراطوريات اعلامية خلال فترة الانقاذ هم بالضرورة صنعوها بمساعدة الدولة الكيزانية ، و ظلت معظم هذه الامبراطوريات تسخر من الثورة و تقلل من حجمها ، و ما ذلك الا خوفا على الحبل السري الذي ظل يغذيها عبر تاريخها الصحفي من دماء الدولة و المال العام ، و لذلك طبيعي ان يتم إيقافها لقطع هذا الحبل السري ، كذلك فإن الإدارات التي يثبت عليها فساد مالي و تعدي على أموال الدولة يجب استرداد هذه الأموال منها و ان كان ذلك يعني طرح هذه المؤسسات الصحفية للبيع او المصادرة .
لم يقم الشعب بالثورة ليترك كل شيء كما كان، و لم يستشهد الشهداء من أجل أن تظل ذات الأصوات الصحفية النتنة التي ظلت تطبل و تمدح المخلوع باقية كما هي ، الثورة قامت لكنس كل الدولة السابقة بما فيها من مؤسسات سياسية و أمنية و نقابية و إعلامية ، فلا تنتبهوا لصراخ البعض بحجة الحريات فإن الحرية لا تعني استمرار المؤسسات التي تغذت من صدر الدولة و رفعت بعض أشباه الصحفيين إلى القمة ، كما لا تعني استمرار الدولة العميقة في الإعلام، بل تعني تصفية هذه الدولة العميقة و أعادت كل رموزها للشارع و مساواتهم بكل الصحفيين العاديين و عليهم بعد ذلك أن يقدموا أنفسهم للجماهير فإن قبلهم الشعب مرحبا بهم، و لكني اعلم ان الشعب لن يقبل لاعقي احذية الطاغية و مادحي السلطان مجددا ابدا .
sondy25@gmail.com