مبدئياً ومن حيث المنطق يمكننا أن نتقبَّل (بكائيات) فلول النظام البائد المتواترة حول أعمال لجنة تفكيك التمكين ، وذلك ببساطة لإرتباط أعمالها بنتائج ستودي بمصالحهم الإستراتيجية والشخصية التي عملوا على تشييدها لسنوات طوال بالباطل وتجاوز القوانين وحقوق الوطن والمواطن ، لكن ما لا يقبلهُ المنطق أن يطالب هؤلاء وهم في غمرة ما هم فيه من إرتجاف أن يتحدثوا عن قيّم وأخلاقيات كانوا هم أدوات إبادتها وقادة إزاحتها عن خارطة ثقافة المجتمع السوداني وفي مقدمتها فضيلة التسامح ونشر روح العفو والغفران عن ما فات من جراحات وتعديات على الحقوق المادية والمعنوية ، وللحقيقة فإن الإنسان دائماً وأبداً يحصدُ ما غرست يداه ، كيف لهم أن يغرسوا لثلاثين عاماً الظلم والجور والإقصاء وعدم التسامح والضرب بيدٍ من حديد على كل من يعترض ويُعارض أو حتى يقف على حافة الحياد ، ليتوقعوا اليوم من مد الثورة الجماهيري وحاضنتها الرسمية رفع شعار (عدم الإقصاء) وأن يُفسحوا المجال لفضيلة التسامح وعفا الله عن ما سلف .. كيف يكون ذلك أو يستقيم وأصحاب الحقوق المُضيَّعة ينتظرون بلا ملل ويُطرقون بإلحاح على أبواب العدالة والقضاء النزيه ودولة المساواة ؟.
كيف للتسامح كفضيلة أن يتمدَّد في شوارع ومدن السودان ، وبين الذين أشعلوا الثورة المجيدة شباب ينتظرون القصاص لـ 28 ضابطاً من شرفاء القوات المسلحة أُغتيلوا غدراً وخيانة قبل صباح العيد بساعات ، كيف تنموا في الديار شجرة العفو الوارفة وذوي وأصدقاء وزملاء من أستشهدوا في مجذرة القيادة أيضاً قبيل العيد بساعات ينظرون إلى الشهداء والمفقدوين والجرحى وهم يرفعون في عليائهم راية الوعود بأنْ حان أوان إنصافهم وأوان دفع من غدروا بهم ثمن الخيانة للوطن و الغدر بشعبه المقدام ، يا سادتي حتى القيَّم والفضائل تحتاج منا إلى إعادة ترتيب وتهيئة للبيئة التي ستنمو فيها من جديد ، بعد عهدٍ كالحٍ كانت مُجمل سِماته التعالي والتنطُع وإذلال الشرفاء والإستحواذ على كل موارد البلاد ومُقدَّرات العباد.
إن التأسيس لمفهوم المحاسبة والجزاء والعقاب في هذا السودان بعد ما عاناهُ منذ الإستقلال من ويلات وتداعيات ومصائب مبدأ (عفا الله عن ما سلف) ، أصبح ضرورة مُلِّحة وحوجة إستراتيجية لن يستقيم بدونها أمر بناء السودان الجديد وشعاراته الجديدة التي أقرها الشارع وفي مقدمتها الحرية والعدالة والمساواة وتمكين دولة المؤسسات والقانون ، ويظل الجزاء بمثل العمل ولا عذر لأحد في عقوق الوطن وحقوق المواطن ، ولا فضيلة يمكن أن تعلو موازين القداسة في عهدنا هذا وزماننا هذا سوى الإحتكام للقانون ولا شيء غير القانون.