النظام المخلوع يدرك انه اغتصب السلطة بالغش والدس، ولحماية هذا الباطل رفع الشعار الإسلامي دون تحضير لاستحقاقاته، ورفع شعار الإنقاذ دون تخطيط لتبعاته، واتبع المناورة بالعلاقات بين المحاور الخارجية غير مدرك أن هذا يفقده المصداقية فيها جميعاً. وقد كان.
لم يكن النظام رغم الدروع الإعلامية التي تدرعها مطمئناً للقوات المسلحة النظامية، ولا لجدوى مواقفه في احتواء الرفض الشعبي له، لذلك لجأ لوسائل حمائية لسلطانه ومن أهمها تكوين ودعم هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
الموقف المبدئي من هذه الهيئة بعد الثورة هو إخضاعها للدمج في أجهزة نظامية أخرى إذا خلا أفرادها من الأدلجة، أو التسريح للدخول في حياة مدنية.
لم تتجاوب هيئة العمليات مع هذا الموقف المبدئي ودفعت بمطالب خاصة في مجال شروط التسريح. لذلك اتخذت موقف تمرد مسلح أثار الرعب في البلاد ولم يكن أمام القوات المسلحة خيار سوى قمع هذا التمرد، وقد فعلت ذلك بكفاءة عالية. رحم الله شهداء هذه المحنة وعجل بشفاء الجرحى. وينبغي إجراء تحقيق عادل لكشف الحقائق حول هذه الفتنة واتخاذ إجراءات المساءلة اللازمة لأن هذه الفتنة ليست معزولة عن تدابير ضد الثورة وضد الوطن. هذا هو الدرس الأول.
والدرس الثاني هو التصدي لأية محاولة لمن يحاولون تحقيق مطالبهم بقوة السلاح. هذا نهج محرم قطعاً.
والدرس الثالث هو عدم قبول استخدام مسلحين مهما كانت ألقابهم لفرض رؤاهم السياسية فمكان البرامج السياسية التنافس في الانتخابات الحرة المقبلة.
ولهذا الدرس صلة قوية بالسلام العادل الشامل المنشود.
السلام العادل الشامل المنشود يتطلب اتخاذ برامج إجرائية لوقف العدائيات، وكفالة الإغاثات الإنسانية، وبرنامج متفق عليه للدمج والتسريح وكيفية مراقبة تنفيذ هذه البرامج.
تلك هي المرحلة الأولى ويرجى أن يتفق عليها خارج البلاد وأن تشمل إجراءات لسلامة قوى الممانعة المسلحة عندما تعود للبلاد.
ثم يجرى تحديد كل الشركاء بحق في عملية السلام العادل الشامل وهم: السلطة الدستورية، وقوى الممانعة المسلحة في ثوبها المدني، والقوى السياسية والمدنية والنقابية التي شاركت في إحداث التغيير، والنازحون واللاجئون.
شركاء عملية السلام هؤلاء عليهم تحديد الأسباب التي أدت للاحتراب، وهي التهميش السباعي: التهميش السياسي بشقيه المركزي والولائي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتشاركي في أجهزة الدولة، والدبلوماسي في العلاقة مع الآخر الخارجي.
كما ينبغي تحديد كافة آثار الحروب الأهلية لإنصاف النازحين، واللاجئين وتعمير القرى المدمرة. وإجراء المساءلات الجنائية عن الجرائم، وإجراء الانصاف والمساءلة ضمن العدالة الانتقالية، وتمكين كافة القوى من المساهمة الحرة في بناء الوطن.
في ظل السلام الذي تحققه هذه الإجراءات فإن لكافة أطراف المقاومة المسلحة أهدافاً ورؤى وبرامج سياسية يحق لها طرحها بحرية في مجالس التنافس الديمقراطي عبر الانتخابات العامة النزيهة المتفق عليها، ولا يحق لأية جهة أن تستغل شعار السلام لجعل برامجها السياسية شرطاً لإقامة السلام. السلام يتطلب التصدي لأسباب الاقتتال وإزالة آثاره.
هذه هي الدروس المستفادة من التمرد، وعلينا أن نعيها في مشروع بناء الوطن.
والله الموفق.