حكامتنا في مقطع من أغاني الدرملي تقول:
الجنزير التقيل البقلا ياتو … البولع ناروا بدفاها هو … الى أن ينتهي المقطع بيوم الحار الزول بيلقى أخو..
كلام عميق … فالحكامة تستدعي بهذا المقطع من الأغنية حماسة الناس في مواجهة موقف فيه التحدي مثلته رمزاً بالجنزير التقيل، ومن ثم تبحث عمن يقبل، ويقوم بالتصدي لهذا التحدي.
نعم ولاية جنوب كردفان هي ولاية واعدة، وبها كثير من الموارد والخيرات، لكن في ذات القوت مليئة بالتحديات المتمثلة في التقاطعات السياسية والأمنية والاجتماعية انتهاءً بإفرازات الحرب وفوضى الانتشار العشوائي للسلاح وتعدد الجيوش.
هذا، إضافة الى ما تركته حرب استمرت أكثر من ثلاثة عقود من مرارات في نفوس بعض المكونات الاجتماعية والأفراد وانحسار ظل الدولة التنموي والأمني والخدمي من تعليم وصحة وغيره عن كثير من أجزاء الولاية، هذا إضافة الى موقع الولاية بوصفها منطقة تماس وجغرافياً بوصفها جنوباً جديداً بكل ما يحمل هذا المصطلح من معان. كل هذه المعطيات والحقائق أعلاه على الأرض تجعل كل من يُقّدم على حكم الولاية يتهيبها، ويتردد كثيراً في كيفية التعامل مع هذه التحديات.
عندما طلب مني بعض قيادات حزبنا والاحباب من كوادر حزب الامة في الولاية بإصرار قاطع في أنهم سوف يدفعون بي ضمن المرشحين لمنصب والي الولاية تمنعت كثيراً في البداية، ثم قبلت تقديراً لثقتهم فيّ وجبراً لخواطرهم ومبادرتهم، وحتى لايحسب عليّ أنه قد جاءت فرصه ودفعوا بي وتخاذلت، إضافة إلى أهمية هذا الموقع استراتيجياً بأن يتولاه شخص توافقي، وأحسب نفسي كذلك ولي علاقة طيبة مع كل المكونات السياسية.
نعم لقد كانت الولاية همي، وبسبب ذلك تواصلت مع الحركة الشعبية وغيرها، ودفعت الثمن اعتقالاً وسجناً ومتابعة من قبل الأجهزة الأمنية زمن الإنقاذ، وكانت قناعتي أن نمط إدارة الولاية ينبغي أن يكون تشاركياً بين الجميع، وليس احتكاراً لمجموعة دون أخرى.
رغم التحديات الكثيرة في إدارة الولاية، فقد قبلت بقناعة أنه إذا تراجعت سيتقدم إليها شخص آخر لا يتميز مني بقدرات سحرية، ويملك رأساً واحداً مثلي، وليس له رأسان يفكر بهما. بل كانت ثقتي في نفسي كبيرة؛ لمعرفتي بتفاصيل الولاية، ولكوني أنطلق من حاضنة اجتماعية تنتشر في كل انحاء الولاية ستقف معي، وستدعمني في برامجي التصالحية.
كذلك أملك علاقات إخاء وزمالة عميقة الجذور مع معظم قيادات الحركة الشعبية والحزب القومي السوداني أكبر الشركاء سياسياً واجتماعياً في الولاية، حيث تساكنا معهم، واشتركنا في مقاعد الدراسة في مختلف المراحل، وهناك تواصل مستمر بيننا، بل تشاركنا معهم المعاناة والتهميش وكل أنواع الغبن التي دفعت ببعضهم إلى حمل السلاح والحرب؛ لهذا كانت رؤيتي أستثمار كل هذه المعطيات في نقل الولاية الى مربع جديد للتعاون والشراكة والمشاركة من أجل النهوض بها.
لقد اشفق عليّ بعضهم في القبول بتحمل عبء هذه المسؤولية والتحديات، بينما آخرون يصرون عليّ بقبول هذا التحدي، ولسان حالهم يقول “الراجل برجاله والكريم بأم عياله “، وأنهم سيدعمويني ويقفون معي أي كانت مواقعهم فقبلت ..
التحية والشكر لجميع الاحباب القيادات و الكوادر في المركز بالخرطوم والولاية والمهاجر وبدون ذكر الأسماء حتى لا يسقط بعضها ،على مساهمتهم في استكمال الاجراءآت الأولية التي سارت بيسر وقوة حتى وصلت الى لجنة الترشيحات وأجازتها من المكتب السياسي مع تقديري واحترامي للذين نافسوا في الترشيح لما يتمتعون به من كفاءآت وقدرات.
كما يقال إن غلطة الشاطر بعشرة.. فجهات الاختصاص في الحزب بدلاً من إعادة الاسم بعد إجازته الى تنسيقية الحرية والتغيير في الولاية لرفعه من هناك مع بقية المرشحين، فقد اكتفت بإرساله إلى تنسيقية الحرية والتغيير المركزية مباشرة، فسقط اسمي إجرائياً لأنه لم يرفع من الولاية، وتعقد الأمر لعدم اتباع الإجراءآت المتفق عليها مع الآخرين رغم محاولات معالجة ما حدث من إشكالات في عملية اختيار الولاة. للأسف حزبنا دأب على الإكثار من الاجتماعات، وتكوين اللجان وإلقاء الدروس الخصوصية في المواصفات والمعايير في مختلف الأمور، واتباع سلسلة من من البيروقراطيات متوهماً أن ذلك هو الطريق لاتخاذ القرار السليم. لكن للأسف في كثير من الأحيان لايعمل بهذه التوصيات أو يخرج قراره متأخراً بعد فوات الأوان فيصبح الجهد قفزة في الهواء كما حدث بالنسبة إلى حالتي.
عموماً قدر الله ما شاء فعل، وأنا راضٍ بأي معالجات في ذلك. وفي هذه اللحظة لا أملك إلا أن أكررالشكر للأحباب الذين ساندوني في كل المراحل بدءً من الولاية وانتهاءً بلجنة الترشيحات والمكتب السياسي، كما أنا ممتن كثيراً للذين حاولوا المستحيل مع تنسيقية الحرية والتغيير في الولاية لإعادة إلحاق اسمي بالمرشحين. ورغم أن البعض قد تعامل بسلبية وتمنع لشيء في نفس يعقوب برغم العلاقة المتجذرة معهم، ولكني أتفهم مواقفهم السالبة والمحيرة لأنها السياسة.. لعبة المصالح، فأحياناً مصالحهم قد تملي عليهم مثل هذا الموقف.
التحية للحبيب موسى جبر الذي كان يذكرني دائماً عند الآخرين بخير، وأتمني له التوفيق والسداد، ومثله الحبيب إيهاب يوسف، فكلهم من أبناء المنطقة، ويقيني أنهم حريصون على مصلحتها، وملتزمون بتوجهات الحزب. فأنا لم أدخل في الترشيحات إلا لاعتبارات ساقها لي بعض المهتمين بمصلحة الولاية والحزب، وأدركها أنا تماماً وتتعلق باحتمالية الطعون في غيري من المرشحين، ومن ثم خسران الرهان عليهم، وأتمنى أن يتجاوزونها في مرحلة التضفيات النهائية، موفقين إن شاء الله، وسأكون جندياً مخلصاً للولاية، وحاضراً لخدمتها من أي موقع، ولو قدر لي أن أدخل حلبة التنافس مرة أخرى فلن أتردد، لكون من أمثلهم يمثلون شريحة كبيرة من مكون الولاية، ولضرورة السلام الاجتماعي والاستقرار ينبغي أن يكونوا حضوراً ضمن الآخرين في صنع ورسم سياسة إدارة الولاية تكاملاً مع بقية مكونات الوطن. فالمنطقة تود أن تغلق باب العودة إلى الغابة، بل تخطت مرحلة الصحوة، والآن نحن في مرحلة اليقظة؛ لهذا ينبغي الاتفاق والتوافق على منهج جديد، وهو مصلحة المواطن دون تمييز في انتزاع حقه في التمتع بحق التمييز الايجابي وهذا بالطبع يعني السلام والاستقرار وعدالة اقتسام السلطة والثروة وتفعيل مبدأ المواطنة وبلا شك سيكون لنا اسهامنا في تحديد هوية السودان بناء على أسس ومعطيات الواقع الجديد مع التأكيد أن السلام يجب أن يبدأ شعبياً لينتهي بتقنينه رسمياً في دساتير وأنظمة دولتنا الفدرالية، وسيكون خطأ كبيراً إذا جاء السلام من أعلى دون اعتبار لنبض أحمد وكوكو في المنطقة.