في جنوب مخيم اليرموك وبالقرب من مقبرة الشهداء، هناك حي كبير، يقطنه أكثر من عشرة آلاف نسمة يسمى حارة المغاربة، والأجدر أن يقال له حي المغاربة؛ لأنه يتألف من حارات عديدة جل سكانها من المغاربة الذين استوطنوا في فلسطين منذ عام 1855 ثم هاجروا منها بعد نكبة 1948 إلى دمشق واتخذوا من المخيم سكناً لهم .
بداية الوصول :
قبل هجرة المغاربة الأخيرة لفلسطين شهدت مدينة القدس وصول المئات من المغاربة منذ أكثر من ألف سنة، إذ أنه بعد اعتناق الأمازيغ للإسلام وأثناء زيارتهم للمسجد الأقصى عند عودتهم من الحج طاب لنفر منهم مجاورة أولى القبلتين، كما وصلت أعداد منهم لطلب العلم في باحات المسجد الأقصى، ولما احتل الصليبيون بلاد الشام سارع الآلاف منهم للتطوع في جيشي نور الدين وصلاح الدين حتى كثرت أعدادهم ونظرا لما أبلوه في المعارك منحهم صلاح الدين بيوتاً وعقارات، وأوقف لهم زوايا ومساجد ومدارس حتى صارت تعرف بحارة المغاربة، بقيت حتى عام 1967 حيث جرفت قوات الاحتلال 138 عقارا ً وأقامت مكانها ما يعرف بساحة البراق وشردت سكانها إذ وصل بعضهم لمخيم شعفاط والبعض عاد لبلاد الأجداد في المغرب العربي .
مغاربة شمال فلسطين :
وصلت أفواج المهاجرين المغاربة وجلهم من الجزائر، مع المجاهد عبد القادر الجزائري بعد بطش آلة القمع الفرنسية وملاحقتهم وحرق قراهم إذ بدأت أفواجهم تصل لدمشق منذ عام 1847 واستمرت الهجرة بأفواج متكررة حتى عام 1920، وقد صلت أعداد كبيرة منهم إلى فلسطين ولا سيما بعد عام 1860 واستوطنوا في شمالها بمساعدة من الدولة العثمانية حيث وزعت عليهم بعض الأراضي كي يقتاتوا منها، حيث عملوا في الزراعة وتربية الحيوانات، وقد أعفتهم الدولة العثمانية من الخدمة العسكرية لمدة عشرين عاما، حتى يتسنى لهم النهوض بقراهم وجميعها في الجليل ما بين طبرية وعكا، وأنشأوا هناك حوالي تسع قرى في الشمال ففي قضاء صفد : “ديشوم، الحسينية وتليل ، ماروس، عموقة”، وقضاء طبرية: ” كفر سبت، معذر، عولم” وقضاء حيفا ” خربة الكساير ، هوشة “
وبلغ سكان تلك القرى حوالي 4000 نسمة بالإضافة إلى بضع مئات استقروا في حارة الأكراد بصفد عرف منهم آل الخضراء، كما استقرت بعض عائلاتهم في كل من سمخ وطبرية وببعض القرى والمدن الشمالية، وعاشوا مع بقية أطياف الشعب في وئام وسلام، وحتى أن أكلتهم الشعبية الشهيرة ” الكُسكُس ” التي جاءت معهم من الجزائر، أطلق عليها أهل الجليل: المغربية تارة، والمفتول تارة أخرى، وأصبحت أكلة شعبية للشمال الفلسطيني كله.
دور المغاربة في النضال الفلسطيني:
لم يتوان المغاربة أو يتقاعسوا عن مقاومة المحتل البريطاني أو الاستيطان الصهيوني، لا سيما وأن لهم تجربة في مقارعة المحتل الفرنسي ،فكما واجه الفلسطينيون المخططات التي كانت تعصف في البلاد كان للمغاربة ـ وقد أصبحوا من نسيج الشعب ـ دورٌ في جميع الأنشطة، من مظاهرات وإضرابات واعتصامات ومقاومة، وبرز منهم أسماء عديدة تعرضوا للاعتقال والنفي نذكر منهم : موسى حج حسين الكبير من قرية تليل الذي فجر البريطانيون بيته لنشاطه في ثورة 1936 بتهمة التحريض وتجنيد المقاتلين ضد بريطانيا، وقد هرب لسورية ومن الجولان تابع اتصالاته مع المقاتلين لتنظيم الصفوف والاستمرار في المقاومة، ويذكر الباحث عبد الله المغربي أن مختار قرية معذر عيسى الحاج أحمد وصلته بعض الأسلحة من دمشق تم تأمينها من قبل الشيخ عبد القادر المبارك وحفيد عبد القادر الجزائري1 ، وبرز اسم محمود سليم الصالح الملقب بأبي عاطف من قرية ” عموقة” الذي كان قائدا لقطاع صفد وقد استشهد في معركة الشجرة عام 1948 مع الشاعر عبدالرحيم محمود، ودفن في الناصرة، وأما محمد بن أحمد بن عيسى ” أبو سعيد” من قرية ” كفر سبت ” فقد استشهد دفاعا عن قرية “هوشة” قضاء حيفا مع عدد من الشهداء منهم : مختار قرية الكساير حسن الخضر ، ومختار هوشة أحمد ارْغيس ومن الجرحى الحاج أبو عبد الله أرْغيس الملقب بالوحش الذي فقد ساقه ثم هاجر لجنين.
ومن الشهداء أيضا في معارك فلسطين : بو جمعة والهادي مزيان، وسعيد العريفي وغيرهم ، علماً بأنه في عام 1948 حضر أكثر من ألف شاب من بلاد المغرب العربي ممن تطوعوا للدفاع عن فلسطين وبعد عناء شديد ومضايقات وصل بعضهم وقاتل الصهاينة واستشهد، منهم الكثيرون أمثال الشهداء : الحاج علي النايلي، ومحمد إبراهيم القاضي، ومحفوظ الهواري، وغيرهم، ومن الذين عادوا للجزائر وتوفوا لاحقا كالمجاهد عبد الحفيظ قصري والمجاهد محمود عيساوي و صالح تواتي2 .
وفي مسيرة الثورة الفلسطينية قدم المغاربة كغيرهم العشرات من الشهداء والجرحى والمعتقلين وبرز من الشهداء أبو علي الأخضر، محمود خليفاوي، عبد القادر ارغيس، خمسة شهداء في عملية الصرفند، عبد الناصر مقاري الذي كان ضابطاً في جيش التحرير الفلسطيني وتم اغتياله بتاريخ 28/02/3018 قرب بيته جانب مقبرة الشهداء القديمة بالإضافة إلى العشرات الذين قضوا في حارة المغاربة إبان الأزمة في سورية .
المذابح الصهيونية لقرى المغاربة :
لم تنجُ أي قرية من هذه القرى من تدمير ومسح عن الأرض، وتهجير سكانها عن بكرة أبيهم، إلا أن المذبحة المروعة تمت في قرية الحسينية إذ تذكرها بعض المصادر كما يلي3 :
في عام 1948م وتحديدا في يوم السبت الموافق 13/3/1948م , نفذت مجموعة من اليهود تقدر بنحو 50 إرهابياً من عصابات البلماح ,مذبحة قرية الحسينية ,استشهد على أثرها نحو 12 شخصاً وفقد خمسة آخرون ,وقد نشرت في حينه إحدى الصحف الصادرة في فلسطين “the Palestine posted ” أسماء الشهداء والمفقودين: 1- أحمد طاهر فارس 2- فايز طاهر نعيم 3- أحمد عمري شحادة 4- حسين أحمد محمود 5- بنت حسين الشرشورة 6- آمنة بنت ربيع 7- صالح بشير محجوب 8- روحي هادي خيرية 9- عبد الله عمار خيرية 10- طاهر علي سعيد 11- محمد عبد الأحمد 12-عثمان سمبري .. أما المفقودون بحسب تلك الصحيفة فهم : 1- رابح هادي كانون 2- رابح هادي أحمد كانون 3- فاطمة عثمان أحمد 4- الحاجة زهية العيسى 5- وديع زروق عيد.
وأما قريتا هوشة والكساير في قضاء حيفا فقد تم الانتقام من أهلهما من قبل المستعمرات القريبة بعد أن أوقعوا فيهم عدداً من القتلى والجرحى؛ بأن أغاروا عليهم بعد انسحاب المقاتلين العرب، فقتلوا حوالي 35 وجرحوا العشرات وحرقوا القرية وأجلوا سكانها4 ومن شهداء هوشة: محمد محمود صالح، زهير رشيد كردي،صفية صالح محمود، حسن زكي يونس .
اللجوء إلى دول الجوار:
بعد حرب 1948 دمرت الآلة الصهيونية جميع قرى المغاربة وانتقل أغلبهم إلى سورية ولبنان والأردن وبقي حوالي 400 شخص منهم داخل الخط الأخضر واستقروا في قريتي دير حنا وشفاعمرو، وأما الذين لجؤوا إلى لبنان فسكنوا في مخيماتها كتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ، وأما الذين يمموا شطرهم نحو دمشق وهم العدد الأكبر فاختاروها لوجود جالية مغربية فيها استقرت قبلهم بمئة عام ولا سيما في حي السويقة الدمشقي ، ولكنهم عانوا كما عانى جميع اللاجئين، إذ سكنوا في بادئ الأمر في المساجد، والأبنية التي تحت الإنشاء، والمدارس وغيرها
حارة المغاربة في مخيم اليرموك :
بعد إنشاء مخيم اليرموك عام 1954 انتقل غالبية المغاربة من اللاجئين إليه، واستوطنوا في جنوبه حيث عرفت بحارة المغاربة التي ضمت أغلب القرى التي نزحوا منها ، وسكن جزء منهم في أول المخيم وعملوا في التجارة والمهن اليدوية وبيع الخضراوات وغيرها، وعمل بعضهم في الوظائف الحكومية، ولا سيما في مهنة التعليم، ومن أشهر العائلات التي لجأت لدمشق والمخيم: متيجي، طيب، زواوي، الواضي، الخضراء، الكبير، تواني، السعدي، العارف، بن علي، الصغير، بوكراع، موقاري، بو يحيى،منور، دراجي، سحنون، أبو كنور، غميرد، الشاذلي ، هباش، الشيخ، المغربي، المليود، وناس، خليفاوي، بلقاسم، بلعيد، وغيرهم.
تطور حي المغاربة في اليرموك مع تطور المخيم، وبرز فيه بنايات مرتفعة ومحلات كثيرة، وامتاز بوقوعه بين معالم كثيرة من المخيم، أهمها معسكر أشبال فتح الذي تحول فيما بعد إلى المدينة الرياضية والمركز الثقافي العربي، وكذا قرب الحي من تربة الشهداء، ومركز الإعاشة، ودوار فلسطين، وقامت الأونروا في تسعينات القرن الماضي ببناء مستوصف في الحي يقدم الخدمات الصحية ، بالإضافة إلى وجود مجمع كبير لمدارس الأونروا حمل أسماء القرى الفلسطينية: الجاعونة وكفر سبت والنُقيب ،وغيرها ، كما حمل الحي أسماء أعلام مغاربة جاهدوا الاستعمار أو اشتهروا بالأدب والعلم فكان شارع مصطفى بولعيد” أحد ابطال الثورة الجزائرية ” وشارع أبي القاسم الشابي وأما أهم ما كان يميز هذا الحي وجود ساحة كبيرة حيث كانت تنصب فيها المراجيح والألعاب في أيام الأعياد، وأما حبيبات المفتول أو المغربية فكانت مقصد طالبيها من دمشق وشمال اليرموك حيث كانت تصنع أمام أعين الزبائن وتعبأ لهم بأسعار معقولة، كما برز من هذه الحارة عائلة الهباش ولاسيما محمد الذي كان من أعمدة فرقة العاشقين التي أرفدت مسيرة النضال الفلسطيني بمئات الأغاني الوطنية، وكذا الأستاذ محمد أبو عزة المدير التنفيذي لمؤسسة فلسطين للثقافة والذي ساهم بإصدار عشرات العناوين الفلسطينية، ومنهم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح لعام 2008 محمد المدني .
ومن الجدير ذكره أن ملك المغرب محمد الخامس وأثناء زيارته لدمشق وهو عائد من القدس عام 1960 أحب أن يزور مخيم اليرموك للاطلاع على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وأن يضع حجر الأساس لمستوصف يرعاهم ، عرف فيما بعد بمستوصف الخامس ، وبعد أن وضع الملك حجر الأساس أحب أن يزور بيتاً من بيوت اللاجئين الفلسطينيين تجاه الأرض التي أقيم عليها الاحتفال، فدخل بيتاً، فاستقبله صاحب البيت ” علي الطيب ” من قرية كفر سبت بالترحيب وفوجئ الملك حين رأى عجوزا ” أم علي ” ترتدي الزي المغربي، وهي تقول باللهجة المغربية : «باهي باهي، طيب الله خاطر سيدي جلالة الملك»، فاحتار الملك، أهذه العائلة مغربية أم فلسطينية؟
وضع المغاربة وحيهم :
نال حارة المغاربة ما ناله منذ احتلال المخيم، إذ خرج أغلب قاطنيه إلى دمشق وأطرافها، وخرج بعضهم إلى لبنان، كما وصل بعضهم إلى أوروبا، وأما الذين حازوا على جوازات سفر جزائرية من قبل، فقد كانوا محظوظين إذ وصلوا للجزائر، وبعضهم غادرها لأوروبا، وبعد العملية العسكرية الأخيرة في المخيم كان حجم الدمار كبيراً في حي المغاربة، ولم تنجُ حارة منه وحتى المركز الثقافي والمدينة الرياضية ومجمع مدارس الأونروا من دمار وخراب ، وأهله كغيرهم ينتظرون إزالة الركام وعودة بعض البنية التحتية كي يعودوا ويرمموا ما نجا من بيوتهم .