ان اهم ما تحتاجه مكونات قوي اعلان الحرية والتغيير الان مجتمعة او منفردة، وبشكل عاجل، وما يجب أن تعكف عليه وتعمل باستمرار، ليس هو التظاهر في وجه حكومة الثورة الوليد الشرعي لهذا التحالف، والتشويش عليها وإحراجها ومحاصرتها، في وجود قوائم المهام الطويلة التي تطلع بها، ووسط بيئة مليئة بالمخاطر والتحديات واوجه القصور المتعددة، وهي تعلم انها حكومة وزرائها ورئيس وزرائها وحتى عسكرييها من التكنوقراط.
الواقع ان الامر الأهم والذي يجب أن يأخذ الأولوية في قوائم المهام لتحالف إعلان الحرية والتغيير، يجب أن يكون العمل الجاد على الارتقاء بأداء هذه المنظومة وجعلها أكثر فاعلية وشُورية وتمثيل لإرادة مكوناتها حتى لا تتفكفك وتنكسر وحتى يتواصل فعلها الثورى بذات العنفوان.
إن أي محاولات في الضغط على حكومة الفترة الانتقالية من قبل تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير في ظل التركة العظيمة والدمار الكامل للدولة السودانية الذي خلفه النظام البائد، سيزيد من إرباك الحكومة، وسيجبرها على إعادة ترتيب أولوياتها، ببساطة لأن الحكومة تعمل على ظهر صفيح ساخن، وتعاني ضغوطات عالية بين مطرقة مشاكل المواطن اليومية العاجلة، وسندان الإقتصاد المنهار والدولة المختطفة والمحطمة بفعل التمكين الكيزاني.
واي ضغط من الشارع خاصة بتوجيه من كل او بعض مكونات قوي إعلان الحرية والتغيير على حكومتهم التي اختاروها، ربما يجعل الحكومة الانتقالية في مرحلة ما تبحث تلقائيا عن حاضنة أخرى، تجأر لها عن شكواها، وتطلب عندها المشورة، وتنتظر منها الدعم والحماية من بأس والدتها الشرعية قحت!!، وهذا من شأنه أن يفتح المجال لعلاقات وتحالفات اطرارية جديدة في الأفق، بين مدنيِّ الانتقالية وعسكرييها وربما أيضاً مع المجموعات المسلحة التي تنتظر وتتسابق بشغف للمشاركة واللحاف بقطار الحكومة الانتقالية برغم ما تظهره مواقفها من تمنع.
الواجب الملِّح والأسمى والأنبل والأكثر أخلاقية لقوى إعلان الحرية والتغيير في هذه اللحظة التاريخية يتمثل في تحمل مسئوليتها في مواصلةودعم هذه الحكومة الوليدة ورعايتها وتوفير كل فرص نجاحها، وليس إحراجها ومحاصرتها في إطار صراعات بعض مكوناتها مع بعضها، أو إحتاج بعضها على تصرفات بعضها.
إن دعوة تجمع المهنيين الجماهير للتظاهر في وجه الحكومة الانتقالية هو دليل علي وجود أزمة عميقة داخل قوي إعلان الحرية والتغيير نفسها، وكان الأجدي والأوفق ان تتواجه هذه المكونات مع بعضها البعض داخل إجتماعاتها، وتعمل على عمل نقد ذاتي شجاع ومراجعات عميقة تنتهي إلى تغييرات بنيوية اساسية في الشكل والمنهج الذي يعمل هذا التحالف الواسع والذي تتعدى عضويته المائتين مكون سياسي ومدني ليكون أكثر فاعلية وأكثر مواءمة للدور المطلوب منه.
تجربة العمل التحالفي خلال المدة الماضية منذ تكوين حكومة الفترة الانتقالية الي الان، أكدت عدم فاعلية هذا التحالف في القيام بواجباته الجديدة، كما كان أيام الثورة. ولعل هذا حدث بسبب خلل في البنية التنظيمية وفي ظل غياب الأهداف ومنهج العمل وأسس ضبط إيقاع العمل وتوزيع الأدوار داخل قوى إعلان الحرية والتغيير.
وأكدت التجربة القصيرة ان الكفاءة في قيادة الشارع، ليس بالضرورة هي الدليل الأوحد على القدرة في قيادة الدولة، وهذا يتطلب التفكير الجاد في إجراء النقد الذاتي وإعادة تقييم التجربة، ومن ثم الاهتداء وبسرعة الي خارطة طريق، تنتهي الي إعادة هيكلة هذا الجسم الكبير وتكوين جسم تحالف رشيق أعلى من ممثل واحد لكل مكون من المكونات الخمسة الاساسية يقود مهمة التفكير وتقديم الرؤى الكلية وجسم تنفيذي على الأرض يينفذ تلك الرؤى والسياسات وعمل على دعم الحكومة ومجلس شوري أوسع للتمثيل كل مكونات تحالف الحرية والتغيير السياسية والمهنية واامدنية ويمكن ان ينفتح مجددا ليضم المجموعات المسلحة المتوقع قدومها.
من شأن هذا التنظيم اذا تم التوافق عليه ان يضع حدا فاصلا بين المهام التي تميز اي مكون من مكونات قوي إعلان الحرية والتغيير ويؤدي لإطلاق سراح هذه المكونات لتذهب كل واحدة منها الي الاطلاع بمهامها الأولية بدل التحولق حول بعضها بعضاً، وترك مهامها الاساسية فراغاً ريبما تنشط فيه قوي أخرى تضر بمسار الثورة. ومن شأن ذلك ايضا ان تم أن يحرر كل مكون من اوهام قيادة التحالف ويطلق يديها في مهامها الاساسية.
وبالتالي فان هذا التوجه اذا تم التوافق عليه ان يقوي من بنية النظام الديمقراطي الوليد، ويُعيد بناء المنظومات غير الحكومية، ويُظهر دورها المجتمعي، ويُغطي بالتالي ما قصَّرت عنه الحكومة في شكلها الرسمي، ويملأ الفراغات في جوانب الدعم الاجتماعي والسياسي والنقابي والثقافي والإنساني ويكمل بناء منصات المجتمع المدني كلها.
في تقديرى اذا نجحت هذه القوى المتحالفة في الوصول لهذه الصيغة المقترحة من التنظيم وتوزيع الأدوار، فإن ذلك سيحرر الحكومة أكثر ويخفف عليها الضغوطات السياسية والمدنية الجماهيرية ويجعلها أكثر قدرة في الإطلاع بمهامها التنفيذية المباشرة، بدل تحميلها كل المهام السياسية والتنفيذية والتخطيطية المستقبلية كما أرى الآن، والجلوس على مسافة بعيدة منها وتكريس كل الجهود في نقدها وعد أنفاسها، والفرجة عليها بدل تحمل المسئولية معها كتف بكتف كونها الوليد الشرعي لهذا التحالف.