لأسبابٍ بنيويةٍ وهيكليةٍ، تعاني الأحزاب السودانية “ضعفًا” وهشاشةً” و”تشظيًا” وغياب رؤية. وهذا أكبرُ عائق يتهدد إنجاز حلم (السلام والحرية والعدالة) الذي مهره الشبابُ بالأرواحِ والدماء. فالممارسةُ الديمقراطيةُ، في جوهرِها، تداولٌ سلميٌ للسلطةِ، عبر انتخاباتٍ دوريةٍ حرةٍ ونزيهةٍ تخوضها أحزابٌ ديمقراطيةٌ جماهيريةٌ ذات رسالة وأهداف ومشاريع وبرامج واضحة، وقيادات شبابية منتمية ومخلصة وواعية.
في غياب هذا النمطِ من الأحزابِ، تصبح “الردة” راجحة وواردة. والردة هذه المرة لن تكون مثل سابقاتها الثلاث انقلاباً عسكرياً يسنده حزب، بل ستكون كارثة بالمعنى الحرفي للكلمة. ولذلك فلا خيار أمامنا غير إنجاح التجربة.
وإنجاح التجربة لن يكون دون تماسك حقيقي للقوى السياسية والمهنية التي صنعت الثورة، ولن يكون دون ثقةٍ وتعاهدٍ مخلص بين المكونين المدني والعسكري، ولن يكون دون برنامج حكومي انتقالي فعال لترجمة شعارات الثورة إلى تشريعات وممارسات وإجراءات قضائية وأمنية واقتصادية عاجلة ومُحكمة يستشعرها الناس بيانًا في لقمة عيشهم وكفاف يومهم وأمان سربهم ومكان عملهم وقيمة عملتهم، وكذلك فإن إنجاح التجربة لن يكون دون إعلام واعٍ لمسؤوليته مدرك لدوره، مشارك بقوة في تعميق الوعي.
والاعلام الواعي المسؤول، هو الذي يحترم حق الناس في المعرفة، ويتحرى الدقة والأمانة والصدق والموضوعية فيما ينشر ويبث من أخبار وتقارير وتحقيقات وحوارات وصور ثابتة ومتحركة.