بسرعة و عجلة أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن لقاءه برئيس مجلس السيادة بالامس في أوغندا، وواصل بالقول إن اللقاء تطرق للتعاون و التطبيع . السرعة التي أعلن بها نتنياهو هذا الخبر لا تحمل سوى تفسيرا واحدا وهو ان الرجل قصد بهذا اللقاء كسبا انتخابيا داخليا في الانتخابات الإسرائيلية المتبقي لها شهرا واحدا ، وأن القضية ربما تكون مجرد فرقعة إعلامية لهذا الغرض لا غير . ولكن دعونا نعتبر أن الأمر حدث من أجل تغيير حقيقي في العلاقات السودانية الإسرائيلية فهل هذا اللقاء كافيا ؟ وهل حكومة ثورة ديسمبر السودانية ستكون المدخل لهذه العلاقة؟
منذ مؤتمر اللاءات الثلاثة في الخرطوم عام ١٩٦٧ في ظل الحكومة الديمقراطية الثانية ظل الموقف الرسمي السوداني من القضية الفلسطينية ثابتا وواحدا وهو لا اعتراف بإسرائيل لا تفاوض مع إسرائيل لا سلام مع اسرائيل ، وهو موقف عربي واسلامي موحد ، ولكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر منذ عام ١٩٦٧ وحتى اليوم ، حيث طبعت اثنتان من دول المواجهة مع إسرائيل وهما مصر و الأردن، حين قامت مصر أيام حكم الرئيس السادات بالتطبيع مع اسرائيل طردها العرب من الجامعة العربية وحولوا الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس ، ولكن بعد فترة قصيرة عادت الأمور مع مصر كما كانت وعاد مقر الجامعة العربية للقاهرة وظلت مصر على حالها من التطبيع .
منذ ان بداتها مصر انداحت موجة التطبيع مع إسرائيل حيث تم في ١٩٩٣ توقيع اتفاقية اوسلو والتي اعترفت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود. وفي عام ١٩٩٤ تم فتح مكتب ارتباط لإسرائيل بالرباط بدولة المغرب ، وفي ١٩٩٥ تم فتح مكتب تجاري لإسرائيل في قطر حضر إفتتاحه رئيس وزراء اسرائيل شمعون بيريز شخصيا في عام ١٩٩٦ بالدوحة . في ١٩٩٦ تم فتح مكتب تجاري لاسرائيل بسلطنة عمان ، في عام ١٩٩٦ فتحت إسرائيل مكتبا لرعاية المصالح في تونس و قامت تونس بخطوة مماثلة بعد ذلك بستة اسابيع في مايو ١٩٩٦ ، وفي ١٩٩٦ بدا تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا وتعتبر إسرائيل هي المصدر الثاني بعد أمريكا للتقانة العسكرية المصدرة لتركيا ، في عام ١٩٩٦ فتحت موريتانيا ممثلية لها في تل أبيب و أصبحت في أكتوبر ١٩٩٩ ثالث دولة عربية بعد مصر و الاردن تعترف باسرائيل .
صحيح معظم هذه الدول عادت وقطعت علاقاتها مع إسرائيل وخاصة عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية ، إلا أن هذا التاريخ دلل على أن عملية التطبيع و العلاقات مع إسرائيل يمكن فصلها من دعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة وحقه في دولة فلسطينية حرة ومستقلة وعاصمتها القدس ، بما يعني إمكانية أن تكون للدولة علاقة مع إسرائيل وفي نفس الوقت تقف تماما مع حقوق الشعب الفلسطيني كما تفعل تركيا ومصر و الأردن الآن.
الوضع الصعب الذي تمر به الحكومة الانتقالية وخاصة اقتصاديا وانعدام الحلول السريعة في ظل احتمالية ثورة الشعب عليها اذا استمر الوضع الاقتصادي في ترد وانهيار ربما هو السبب الذي جعل رئيس مجلس السيادة يركب الإخطار من أجل تطبيع العلاقة مع إسرائيل بشرط حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتقديم عون اقتصادي سريع وضخم من الحلف الأمريكي الإسرائيلي، وهي صفقة ربما وافق عليها نتنياهو بسرعة في ظل حاجته لنصر خارجي يعزز به فرصه وفرص حزبه في الانتخابات الإسرائيلية القادمة ، ليكون الأمر أشبه بالصفقة ، صفقة القرن السودانية الإسرائيلية.
البرهان نفسه سيواجه برفض من قطاع عريض في الحكومة الانتقالية إذ لا يبدو أن هناك من سيقف معه سوى الجيش وبعض تكنوقراط الحكومة الانتقالية ، فالاحزاب جميعها ستقف ضد خطوته بما فيها حزب الأمة القومي ، الحزب الشيوعي، أحزاب البعثيين و الناصريين وجميع الأحزاب و التيارات الاسلامية ، وربما الحزب الوحيد الذي سيناصره هو حزب مبارك الفاضل ، لذلك سيكون مساره للظفر بتمرير هذا الخط صعبا جدا وقد يحتاج فيه إلى خروج مليونية جماهيرية تسانده اذا كانت الجماهير ترى في هذا الأمر شأنا يمكن المسير فيه من أجل مصلحة السودان . هل ستنجح صفقة القرن ام تفشل ؟ الشارع هو من سيحدد .
sondy25@gmail.com