على الرغم من أن عملية التطبيع مع اسرائيل لم تكن
وليدة اللحظة، وقد سبق طرحها أكثر من مرة في ظل النظام البائد، إلا أن لقاء رئيس
الحكومة الإسرائيلية نتنياهو برئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح
البرهان بمدينة عنتيبي اليوغندية الاثنين (3 فبراير 2020م) أثار ردود أفعال واسعة
على المستويين المحلي والدولي، ومثّل خطوة مفاجئة، ومهددة لعلاقة المكونين العسكري
والمدني اللذين يقودان قطار الفترة الانتقالية.
تعاون وتطبيع:
أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو مساء الإثنين (3 فبراير 2020م) أنه
اجتمع مع رئيس مجلس
السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، واتفقا على بدء التعاون؛ تمهيدًا لتطبيع العلاقات
بين الجانبين، وذلك في بيان صدر عن مكتبه، علق عليه بالإشارة إلى أنه حدث تاريخي.
وجاء
في البيان أن البرهان ونتنياهو اتفقا على بدء التعاون الذي من شأنه أن يقود إلى
تطبيع العلاقات بين البلدين.
وأضاف البيان
أن نتنياهو يعتقد أن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وكان قد عبّر عن ذلك في اجتماع سابق مع وزير الخارجية
الأميركي مايك بومبيو، وتابع
بالقول: “يسعى رئيس مجلس السيادة في السودان إلى مساعدة بلاده على اجتياز
عملية التحديث، من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على الخريطة العالمية”.
جرأة وشجاعة:
ورأى رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي لقاء رئيس
مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “جريء
وشجاع، ويمهد لرفع العقوبات الأميركية عن البلاد”.
وقال
المهدي في تصريحات صحافية اليوم (الثلاثاء 4 فبراير 2020م): “إن لقاء البرهان
ونتنياهو خطوة جريئة وشجاعة تخدم المصلحة السودانية في رفع العقوبات الأميركية،
وفي مقدمتها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”.
ورأى
“أن الخطوة ستفتح الطريق لإعفاء ديون السودان، وإعادة علاقات السودان بمؤسسات
التمويل الدولية لتمويل التنمية الاقتصادية، وتحقيق السلام في السودان، والاستفادة
من التقنيات الزراعية الإسرائيلية في تطوير قطاع الزراعة والري في البلاد”.
وأضاف
الفاضل قائلاً: “لقد
كنت السياسي السوداني الذي صرح قبل سنتين بأن التطبيع مع إسرائيل تقرره مصالح
السودان أولاً”.
وأشار إلى أن كثيراً من الدول العربية
طبّعت مع إسرائيل، وأن العداء وحالة الحرب قد انتهت باتفاق أوسلو وتحول الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي إلى طاولة المباحثات.
خطوة محمودة:
ووصف أستاذ العلوم السياسية د. محمد أحمد شقيلة في
حديثه ل(التحرير) لقاء البرهان بنتنياهو بالخطوة المحمودة والصحيحة لسياسة السودان
الخارجية، وقال هذا
بنص الوثيقة الدستورية التي تنص على أن السياسة الخارجية للبلاد يجب أن تبنى على
المصلحة الوطنية وصنع علاقات خارجية متوازنة، وأشار إلى أن ذات الوثيقة تنص على أن
إدارة السياسة الخارجية هي شراكة ما بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء.
ولفت
شقيلة إلى أن السودان بمعاداته لإسرائيل قد خسر كثيراً، ولم يجنِ مصلحة واحدة من الفلسطينيين ومن وقوفه معهم، ومن الدول العربية التي
دعته للمقاطعة، فضلاً
عن أنه ضحى وخسر كثيراً
في سبيل قضية لا ناقة له ولا جمل فيها.
وقال أستاذ
العلوم السياسية: “في الوقت الذي دعوا فيه السودان إلى مقاطعة إسرائيل
وعدائها قام كثير من أولئك
الداعين بشكل رسمي أو غير رسمي ومباشر وغير مباشر بتطبيع علاقاتهم مع
إسرائيل، حتى إن الشعب الفلسطيني وحكومته نفسها لهم علاقتهم مع إسرائيل، بل أن
الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على الاقتصاد والسوق الإسرائيلية”.
غير موفقة:
وقال الصحفي حمد الطاهر في قراءته لـ(التحرير): “إن
زيارة البرهان يوغندا
ولقاءه رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدور حولها كثير من اللغط، وذلك على خلفية حديث وزير الإعلام
الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح عن عدم علم الحكومة باللقاء الذي جرى بين الطرفين.
ووصف الطاهر
الخطوة بأنها غير موفقة، وليست في مصلحة السودان، وتابع بالقول: “إسرائيل لا تربطنا بها علاقات
اقتصادية ولا عقدية”، وقال: “إن لقاء البرهان ونتنياهو(كسراب بقيع)،
وليس له قيمة، فضلاً
عن أن إسرائيل تحتل بلداً
عربياً وإسلامياً وهو فلسطين، وعليه فمن المفروض أن نكون نحن السودانيين في صف
واحد مع فلسطين”.
يرى رسام الكاريكاتير عثمان عبيد في إفادته لـ(التحرير) أن موضوع التطبيع مع إسرائيل قيد
النقاش منذ وقت طويل، ولكن المفارقة في هذا الموضوع أنه أتى سراً من طرف غير منتظر
منه هذه الخطوة، وأعتقد أن هذه الخطوة قد تكون بداية لظهور المكون العسكري في دفة
القيادة في السودان”.
وأوضح
عبيد أن الأيام المقبلة ستتجه الأنظار نحو شكل العلاقة بين المكونين المدني
والعسكري، وتساءل: “لماذا
يتصدى البرهان لهذا الأمر”.
وأكد أن القضية ليست في التطبيع وحده، ولكن هذه إشارة
إلى أن هنالك تباعداً بين المكونين المدني والعسكري، ويؤكد ذلك تصريح وزارة
الإعلام بأن مجلس الوزراء غير ملم بتفاصيل اللقاء.