إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
أَمَّا بَعْدُ أيها المسلمون:
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ ، فالآدميون خلقهم الله لخلافته في أرضه لإقامة أحكامه ودينه وشرعه فتارة يظهر الفساد على أيديهم كما ذكرت الملائكة وتارة يظهر الخير فيظهر الخير إذا تولى الولاية القوي الأمين فكان الأنبياء عليهم الصلاة يتولون الولايات ويحكمون البلاد ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾، وطلب الولاية الصديق يوسف عليه السلام ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ ، وتولى النبي – صلى الله عليه وسلم – إدارة الدولة المسلمة في المدينة.
فالولايات من أعظم القرب لمن توفر فيه ركنا الولاية القوة والأمانة ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ ، فالقوي هو من لديه خبرة وعلم فيحسن إدارة ما وكل إليه والأمين هو الذي يضع الأمور في موضعها بحثا عن المصلحة ، فعناية الإسلام منصبة على عدم حصول الفساد ووصول الفاسدين لإدارة الأمة حتى لا تتعرض للضعف والوهن .
عباد الله:
يحدثنا الإسلام أن من يتطلع للرئاسة لا يولى لأن غالب المتطلعين لها يرونها مغنما ووجاهة لا أمانة وحملا فعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ بَنِى عَمِّي فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ (إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّى عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري ومسلم
وحينما يعين شخص ثم يتبين عدم صلاحيته للولاية يعزل مهما كان قربه من الحاكم فصح عن عثمان -رضي الله عنه- في قصة الوليد بن عقبة وكان أميراً على الكوفة لعثمان فعزله بسبب شربه الخمر وكان أخا له من أمه فلم تكن قرابته لأمير المؤمنين شافعة له في بقائه في الأمارة فمن خان الأمانة في خاصة نفسه سيخون الأمانة التي للمسلمين.
عباد الله:
إنّ الفساد الإداري سوس ينخر في الأمة ومقدراتها وهو بوابة الفساد المالي فعالج الإسلام الفساد المالي بإغلاق الأبواب التي توصل له حيث حرم على الموظف سواء كان في القطاع الخاص أو العام أن يأخذ هدية بسبب عمله سدا للذريعة فربما كانت هذه الهدية رشوة ليتوصل بها المهدي لأمر لا يحل له (كما في حديث من أين لك هذا).
فمن يتولى ولاية على المسلمين يحاسب وينظر في ثروته من أين أكتسبها فيقال له من أين لك هذا كما حاسب النبي – صلى الله عليه وسلم – ابن اللتبية حتى الحاكم نفسه تحاسبه الأمة التي وكلته في إدارة شؤونها ولم يأنف النبي – صلى الله عليه وسلم – على من سأله من أصحابه -رضي الله عنهم- لماذا أعطيت فلانا وتركت فلانا وهذا الصديق -رضي الله عنه- حينما بايعه المسلمون قال لهم في ما ثبت عنه في خطبته المشهورة: إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني،… أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، فأمرهم بتقويمه إذا أخطأ وحينما يترك المسئول وظيفته ينظر في ثروته هل أكتسبها بحق أو باطل فالزائد عن كسبه المباح يرد إلى بيت المسلمين.
إن الولايات لا تصلح إلا بتولية الأصلح فالأصلح ثم إعمال مبدأ المحاسبة، فحتى الصالح يحتاج إلى جهة تحاسبه، أمّا أن يترك الحبل على الغارب ويترك أمر فساد المسؤولين هكذا فهو أمر من شأنه تقويض الدولة وإنهيارها.
قال صلّى الله عليه وسلّم: ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) رواه البخاري.
نسأل الله العزيز الحميد أن يمنحنا السلامة في الدين والأمان في العقيدة ، كما نسأله من الخير كلّه ونعوذ به سبحانه من الشرور كلها إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ..